«كتف في كتف» عقيدة عمل وتكافل

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

تتحكم فينا وتحكم قبضتها علينا منظومة فكرة عجيبة غريبة مريبة قوامها أننا سنستمد قوتنا ونستعيد مجدنا ونسترجع كل ما فاتنا لو ضعف الآخرون أو تفككوا أو تدمروا أو تهلهلوا أو خربوا وحبذوا لو هلكوا أو فنوا.

تسيطر علينا قناعة بأن فرصتنا لن تأتى إلينا إلا لو أصاب الآخرون حدث جلل جعلهم من الضعف بحيث لا يقوون على الاقتراب من فرصة نجاحنا. ننتظر على أمل أن يلحق الضعف والوهن بهم، حتى تجد الفرصة نفسها مضطرة لأن تستسلم لنا.

وإحقاقاً للحق، وحتى لا نجلد أنفسنا أو نقسو عليها، فنحن نبذل الكثير من أجل أن يتحقق ذلك. نتوجه إلى السماء، ونرفع أيادينا صوبها، ونكثف الدعاء ونتضرع ونبكى، ونشترى الكتب التى تحتوى على الأدعية التى أخبرونا أن ترديدها مائة أو ألفاً أو عشرة آلاف مرة وحبذا لو مليون أو تريليون مرة سيتحقق أملنا ويتبلور حلمنا.

ويتصل المتصلون بالبرامج التى تستضيف متخصصين حتى نسألهم عن أفضل السبل لتحقيق غايتنا.

ونطلب الفتوى الصائبة حتى نكون على ثقة بأن الطريقة التى نطلب بها تحقيق غاياتنا صحيحة، وأن المفردات والعبارات التى نتفوه بها مضمونة النتائج. ويرد الخبراء ويعطونا ما أردنا، ومنهم من يضيف بنداً من شأنه أن يشد من أزرنا ويقوى ظهورنا ويرفع معنوياتنا.

فإما أن المؤمن مبتلى وعليه أن يصبر، أو أن الرضا بالمقسوم هو خير الإيمان، أو أن الله سبحانه وتعالى سيغدق علينا بالخير الكثير إن لم يكن فى هذه الدنيا، ففى الآخرة فهى خير وأبقى. وهذا كلام رائع وجميل.لكن حتى تكتمل الروعة ويتعاظم الجمال، فإن كل ذلك يجب أن يسبقه العمل والسعى والمحاولة مرة واثنتين وألفاً ومليوناً.

أتصور أن مشايخنا العظام الأجلاء لو أولوا جزئية العمل والسعى قدراً أوفر من الاهتمام، فإن أوضاعنا ستتحسن كثيراً.

ولو رشد خبراؤنا نظرياتهم التى تصول وتجول حول الآخرين الذين هم سبب أزماتنا وعثراتنا، وأن الفرص المتاحة فى الدنيا تتسع للجميع، وإن كانت محدودة فإن هذا يعنى أنها ستذهب للأفضل وليس للأكثر دعاء أو الأعمق شعوراً بالاضطهاد أو الأعتى غرقاً فى ندب حظه، وهذا يعنى المزيد من العمل والسعى.

فمثلاً مبادرة «كتف فى كتف»، تلك المبادرة العظيمة والجليلة، لم يكن لها أن تخرج إلى النور أو تتبلور بهذا الشكل الرائع المبهج لولا عمل وسعى آلاف المصريين الشرفاء.

ولو قررت هذه الآلاف الاكتفاء بالدعاء أو ندب الحظ أو انتظار الفرج من السماء فى هذه الدنيا ولو لم يتحقق ففى الآخرة، لما خرجت «كتف فى كتف» وغيرها من عشرات المبادرات الرائعة التى تشد من أزرنا وتسندنا وتساندنا.

السند المستدام لن يأتى باستمرار غرقنا فى أوهام وأحلام أننا نستحق الأفضل، لكن «حظنا وحش»، أو لأن «الدولة الفلانية لديها بترول أكثر» أو لأن «هذا الكيان معتدى» أو «لأن هؤلاء أشرار» إلى آخر قائمة بكائيات المظلومية.

كبشر، بالطبع سنشعر أحياناً أننا مظلومون أو نستحق الأفضل، ولكن أن نكون عبيد المظلومية دائماً وأبداً فهذا شعور مريح ولطيف لأنه سيعطينا المبرر الأخلاقى الذى يدفعنا نحو المزيد من «الأنتخة». و«الأنتخة» أنواع.

منها الفكرية حيث نسلم عقولنا لآخرين يفكرون نيابة عنا، ومنها العملية، حيث نحل المشكلة بمشكلة أكبر.

لدينا أزمة بطالة ونسب فقر مرتفعة، فننجب المزيد من «العيال» حتى ندفعهم فى سوق عمل هامشى فيسدون رمقنا وفى الوقت نفسه نضخ المزيد من الفقر وفكره فى المجتمع وهلم جرا. هذا هو فقر الفكر بعينه.

وبمناسبة الاعتقاد بأن ضرر الآخرين هو بالضرورة منفعة لنا، تتردد كثيراً هذه الأيام أحاديث حول إسرائيل وما تعتريها من مشكلات ضارية وصلت لدرجة أن رئيسها إسحاق هرتسوج حذر من أن حرباً أهلية تلوح فى الأفق، قوامها أن سقوط إسرائيل سينهى كل مشكلاتنا.

وهذا مثال واضح على انتظار سقوط الآخر أو العدو أو الشرير أو مقتنص الفرصة على اعتبار أن ذلك طريقنا الوحيد للنجاة والخلاص.خلاصة القول إن الأمم لا تنهض بالانتظار أو الدعاء. بالطبع الصبر مطلوب، والدعاء رائع وعظيم، لكن قبل التوكل يأتى التعقل، وكل ذى عقل يعرف أن العمل هو الطريق الوحيد للنجاة. لم نسمع عن حضارة نهضت بالدعاء فقط، أو بالانتظار وحده.

لكن سمعنا وعاصرنا وانتفعنا بنتاج أمم نهضت بعمل شاق وبحث مثمر وفكر تقدمى عملى حقيقى. أما أن يعملوا هم، وننتظر نحن نتاج عملهم، ولا مانع من بعض الدعاء عليهم لأنهم مختلفون عنا، فهذا عين الوهم والخيال.ولعل شهر رمضان المبارك فرصة لبعض من صفاء ذهنى لإعادة ترتيب الأولويات واستثمار الوقت فيما ينفع ويدفع وينتج ونحن «كتف فى كتف» فى العمل والإنتاج، فلنجعل «كتف فى كتف» عقيدة عمل وتكافل.