مثقفون: جوامع القاهرة التاريخية تروي حكايات المدينة وتاريخ شعبها

كتب: إلهام زيدان

مثقفون: جوامع القاهرة التاريخية تروي حكايات المدينة وتاريخ شعبها

مثقفون: جوامع القاهرة التاريخية تروي حكايات المدينة وتاريخ شعبها

على مدار الحقب التاريخية المتعاقبة، توفر لمدينة القاهرة العديد من الشروط والمقومات التى تؤهلها لأن تصبح عاصمة ثقافية مهمة جامعة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، حيث تمثل نقطة التقاء حضارى كبيرة، سواء بين دول العالم الإسلامى أو خارجه، كما أنها من أهم المدن التراثية وأكبرها فى العالم، إذ تضم عدداً كبيراً من الآثار من مختلف العصور الإسلامية.

الكاتب حمدى أبوجليل رصد ملامح الثقافة المصرية وعمارتها والعلاقات السائدة على مدار الحقب الزمنية المختلفة، من خلال تناول المساجد وتاريخها وعمارتها، إذ إن الجوامع بمفرداتها معبرة عن الثقافة وما زالت شاهدة على الإنسان المصرى ومنتجه الثقافى، وقال لـ«الوطن» إنه من خلال المساجد استعرضت تاريخ القاهرة وسجلت التجربة فى كتاب «القاهرة جوامع وحكايات».

وأشار إلى أن القاهرة (قاهرات) أو مدن متتالية، والمساجد هى أبرز المعالم التى توضح تاريخ المدينة، والفسطاط أساس القاهرة هى أول عمارة عربية فى أفريقيا، وربما فى المطلق خارج الحجاز، ورغم أن تاريخ إنشائها يرتبط بعمرو بن العاص (القائد المسلم) إلا أن الفسطاط كانت مدينة كوزموليتانية، أى متعددة مفتوحة لمختلف الجنسيات (الشراكسة والنوبيين وغيرهما)، تعبيراً عن الشعب المصرى، المدنى بطبعه، الذى هو طبع مختلف عن جميع العواصم المحيطة، إذ إن القاهرة مدينة محتضنة للوافدين وأى قادم لها مصرى بغض النظر عن القوانين، وهى ميزة كبيرة جداً لمصر.

وتابع: خصصت فصلاً كاملاً لـ(قاهرة الولاة) الممتدة جغرافياً من جامع عمرو بن العاص حتى جامع ابن طولون، وظهرت قاهرة الفاطميين، وكانت حصناً للحاكم المعز لدين الله الفاطمى، وحاشيته وكانت ممنوعة على العامة، فيما كانت المدينة الشعبية هى الفسطاط، وظلت حتى انقلاب صلاح الدين الأيوبى، وانتهكت القاهرة، وأغلق الأزهر لمدة 100 عام، حتى أعاد فتحه الظاهر بيبرس. ولفت إلى أن الجامع فى الأساس كان يمثل شرعية الحاكم، خصوصاً فى عصر المماليك، لأنه لم يكن لديهم الشرعية، على مدار نحو 500 سنة، ومثلاً جامع «المؤيد شيخ» كان سجناً، وكان المؤيد نفسه سجيناً داخله، أى أن الجوامع جزء مهم من الثقافة، ومن خلالها يمكن رصد وفهم الجانب التاريخى والمعمارى الذى تميزت به هذه الحقب، والذى يعد جزءاً مهماً من التراكم الحضارى والهوية المصرية المتفردة للقاهرة.

وذكر «أبوجليل» أن الأزهر كان لسان حال الفاطميين الشيعة، والسند الشرعى والرسمى لهذه الدولة، وبسبب هذه المكانة حدثت له ردة مع سقوط الفاطميين وتحول مصر إلى المذهب السنى على يد صلاح الدين الأيوبى. وأكد أن تدين المصريين يختلف عن السنة والشيعة أو يجمع المذهبين معاً، وتدين المصريين أنقذ الدين الإسلامى من التشتت وخلافات المذاهب، لأن ثقافة مصر لديها القدرة على احتضان استيعاب الاختلاف لا تعميق الخلافات، فالمصريونُ سنة، يقدسون الأضرحة ومقابر آل البيت، فى الوقت نفسه، وهو ما لا نجده فى أى ثقافة مغايرة.

«ابن طولون» بناه مهندس مسيحى 

ورفض «أبوجليل» تصنيفات العمارة إلى قبطية وإسلامية، قائلاً إن من الأفضل نسب العمارة للبنائين، ومساجد مصر والتى هى نتاج المزاج الشعبى الشائع، التى هى امتداد لعمارة المصريين لتعبر عن ثقافة البلد نفسها أكثر من تعبيرها عن ثقافة الدين، فمثلاً جامع ابن طولون الشهير بناه مهندس مسيحى، وحتى الحجارة التى بنيت بها الجوامع فى مصر هى من العصور الفرعونية.

وأشار إلى أن عمارة المساجد هى إنتاج ثقافة الشعب ومزاجه وتحمل التراكم الثقافى، وفى فترات الاحتلال (أسوأ احتلال) نجد هناك جوامع لا تناسب المصريين، وبناها الاحتلال العثمانى بمآذن قلمية وهى غير مناسبة للبيئة المصرية، ولا تمثل جزءاً من التاريخ المظلم الذى مر على مصر.

وقال الدكتور محمد عفيفى أستاذ التاريخ الحديث، بجامعة القاهرة، إن مصر زاخرة بالمفردات والعناصر الثقافية من العصور المختلفة، ولو تحدثنا عن العالم الإسلامى، فأبرز هذه العناصر هو الأزهر الشريف الذى يعد جامعاً وجامعة من أقدم جامعات العالم إذ يعود تاريخ إنشائه إلى سنة 972 ميلادية، وبذلك فهو ثالث أقدم الجامعات على مستوى العالم، بعد جامعة الزيتونة بتونس، والقرويين بالمغرب، مؤكداً أن الأزهر أصبح رمزاً ومرجعية دينية فى العالم الإسلامى كله وهى ظاهرة لا تتمتع بها سوى مصر.

وأضاف «عفيفى»: «القاهرة عاصمة ومرجعية فى مختلف أوجه الإبداع والفكر، وتأثيرها على العالم العربى والإسلامى من خلال مؤسساتها العلمية والثقافية ممتد عبر أزمنة متتالية، وكان فى الماضى مثلاً مبنى الإذاعة والتليفزيون المصرى معلماً معروفاً ومميزاً لدى العالم العربى كله، والقاهرة رمز ومرجعية للثقافة والفنون العربية، وكما يقول العرب، (مصر هى الشقيقة الكبرى والقاهرة قلب العروبة النابض)».

وأكد «عفيفى» الحرص على لعب هذا الدور فى المجال الثقافى والفنى، خاصة ونحن لدينا الإمكانات البشرية والتاريخ الكبير، ولفت إلى أن هذه الإمكانيات غير متوفرة إلا فى مصر فقط، بدليل أن أى فعالية فى العالم العربى لا بد أن يكون على رأسها مثقفون وفنانون مصريون.


مواضيع متعلقة