الأمن القومى العربى

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

لا أدرى هى مصيبة أم ابتلاء من الله أن نحيا مرحلة يتم خلالها زرع خميرة دويلات الطوائف الدينية والتطرف والعنف والإرهاب، ويعاد تقسيم المنطقة على الهوية الدينية، وتقسيم العرب بين مسلمين ومسيحيين، وبين مسلمين سنة ومسلمين شيعة، ومن داخل السنة وسطيون ومتشددون، ومن الشيعة نحل وملل، وهكذا. هل يفتقد البعض للإحساس إلى حد ألا يلتفت لما يجرى فى أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية وأقصى شمالها بالعراق وسوريا من تأسيس كانتونات دينية وطائفية، يمثل امتدادها عبر القوس الشرقى لشبه الجزيرة التقاء لتجمعات شيعية متقاطعة مع تجمعات سنية تشعل نيران حرب منتظرة على الخليج العربى ومدخل البحر الأحمر الجنوبى. أما زال البعض لم ينتبه إلى أن الأمن القومى العربى ينهار سريعاً كما الشلالات المنهمرة من علٍ، دون بديل أو توافق أو حتى تفاهم أو قدرة عربية على التفاهم من أجل محاصرة الانهيار أو تداعياته لتأسيس بديل يتيح التغيير بدلاً من التدمير، ويمنع استمرار حالة الإسقاط من دون بديل، التى لم تنتج سوى فوضى تهدد بالإطاحة بالجميع. جانب من الأزمة التى نعيشها هذه المرحلة أن البعض ما زال يعتبر هذه الحقائق المخيفة المرعبة «فزاعة» يثيرها البعض أو أدوات للتخويف لفرض حالة سياسية، أو لفرض قوى سياسية محددة، أو للتخويف من بدائل هى فى حقيقتها تعمل على تدعيم تلك الطائفية البغيضة، وتثير فى الناس العصبيات القبلية الطائفية. وليس بخيال ولا أوهام الإشارة إلى رغبات دفينة لدى قوى دولية للدفع بالمنطقة لأتون حروب طائفية لا تنتهى، تذهب بالمنطقة وشعوبها بعيداً عن معارك التطور والتنمية إلى الانغلاق والاقتتال والعودة لأجواء العصور الوسطى. ليس ببعيد أن نشهد قريباً نزاعات مسلحة أو مصادمات بين جماعات أخرى فى دول خليجية أو فيما تبقى من هلال الشام الخصيب لإثارة النزاعات داخل حدودها والصراعات الطائفية وإدماجها فى سياق «بلقنة» المنطقة وما يستلزم ذلك من تدخل دولى لحماية البترول مورد الطاقة الرئيسى للحضارة الغربية، وحماية إسرائيل من خطر التطرف الإسلامى سواء كان شيعياً أو سنياً. ألم ينتبه البعض حتى الآن لحدودنا الغربية والجنوبية، والأولى تتهددها دولة طائفية إرهابية بدرجة ممتاز تجمع كل تنظيمات وجماعات التطرف، والثانية فى الجنوب يتهددها استمرار مخطط التقسيم لدويلات فى دارفور وكردفان والنوبة والخرطوم، وما يحيط بنا من مخاطر تتعلق بامتدادات قبلية على طول الحدود. صحيح أن الظواهر لا تأتى فرادى وإنما تصاحبها ردود الفعل والاتجاهات المضادة وهى متوافرة بالمنطقة تسعى لمقاومة الانهيار ومحاصرته كحد أدنى فى الصراع الدائر، لكنها من المؤكد تفتقد أدوات مهمة وتواجه مشكلات حقيقية ترتبط بمدى عمق الصراع الاجتماعى والسياسى التقليدى. السؤال هنا.. هل يمكن وسط هذه الأجواء أن نتمسك برؤيتنا التقليدية لطبيعة الصراع الاجتماعى والسياسى؟ أم أن الواقع يفرض علينا نوعاً مختلفاً من التحالفات السياسية يحمى المنطقة من انهيار لا محدود؟ تحالفات تبدل فى عناصر الصراع والتوحد إلى حين، وتتيح لمناهضى الطائفية الحفاظ على الحد الأدنى من مقومات الحياة الإنسانية فى مواجهة العنف والتطرف والإرهاب، وتمنح قبلة حياة لنظام أمنى إقليمى مرحلى. هذا المقال سبق نشره فى عدد السبت 18 اكتوبر الماضي.. و أعتقد أن الأسئلة المطروحة ازدادت إلحاحا على النخبة مجددا ...