من يوقف الحرب؟.. «الوطن» ترصد حصاد عام من المعاناة بسبب الأزمة «الروسية - الأوكرانية» وأفق حلها لإنقاذ العالم (ملف خاص

من يوقف الحرب؟.. «الوطن» ترصد حصاد عام من المعاناة بسبب الأزمة «الروسية - الأوكرانية» وأفق حلها لإنقاذ العالم (ملف خاص
- روسيا
- أوكرانيا
- الولايات المتحدة الأمريكية
- موقف الدول الغربية
- روسيا
- أوكرانيا
- الولايات المتحدة الأمريكية
- موقف الدول الغربية
عام مضى على الأزمة «الروسية - الأوكرانية»، عانى خلاله العالم من أوضاع معيشية صعبة بسبب الانعكاسات الخطيرة للأزمة التى أصبحت عالمية، وسط أجواء قاتمة لا تلوح فيها بارقة أمل لوقف الحرب.. ملايين البشر حول العالم اليوم لا يهمهم من ينتصر، وإنما يهمهم أن تتوقف هذه الحرب بأى ثمن.
أصبح الشغل الشاغل لكثير من هؤلاء سؤالين رئيسيين: متى تتوقف الحرب؟ ومن يوقف الحرب؟ الإجابة عن السؤالين كانت أيضاً الشغل الشاغل لـ«الوطن» وهى تعد هذا الملف، فالجانب الروسى يبدو متمسكاً بعدم التراجع وهو ما عبَّر عنه فلاديمير بوتين، الرئيس الروسى، صراحة فى خطاب للأمة قبل أيام بأن روسيا لن تُهزم، محمّلاً الغرب مسئولية إخراج المارد، فى إشارة إلى أن ممارسات الدول الغربية المهددة للأمن القومى الروسى هى التى دفعت للقيام بهذه العملية العسكرية، وفق الجانب الروسى، وفى المقابل، ظهر جو بايدن الرئيس الأمريكى بشكل مفاجئ فى كييف يؤكد أننا أمام أسابيع صعبة، ويتمسك بأنه لا بد من ردع موسكو، وعلى طرفى النقيض كانت التصريحات الروسية والأمريكية.
يبدو أن هناك خططاً غربية لإنهاك الروس فى بلاد الأوكران، إلا أن هذه الخطة لا تمثل استنزافاً للروس الذين قد يتحمل اقتصادهم مثل هذه الضغوط، بل فى واقع الأمر استنزاف كبير للشعوب التى تئن جراء الأوضاع المعيشية والاقتصادية، خصوصاً فى الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء.
ورغم القناعة التامة بأن عالم السياسة والحرب يزخر بالمفاجآت، ونحن فى بداية العام الثانى لهذه الحرب، فإننا نأمل مع العالم أن تضع الحرب أوزارها وسط مؤشرات أنها تحتاج إلى منحة إلهية إنقاذاً للإنسانية.
«بوتين».. القيصر لا يتراجع
من رحم الأزمات والمعاناة وُلد وعاش الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وهو مغرم بمجد إمبراطورية تاريخية عظمى حكمت لمئات السنين أياً كانت صيغتها، وعاش فى ظل قطب ناطح لعقود الولايات المتحدة الأمريكية هو الاتحاد السوفيتى فشعر بفخر الانتماء لهذا الكيان، ثعلب المخابرات هو من شاهد أيضاً سنوات الضغوط والتحديات التى تعرضت لها بلاده بعد تفكك الاتحاد السوفيتى، وقال لاحقا إنه إذا كانت لديه فرصة لتغيير تاريخ روسيا الحديث لمنع انهياره الذى يراه أيضاً أنه كان نهاية لروسيا التاريخية.
الضغط الذى حرصت عليه الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية حتى لا تقوم للروس قائمة، وحتى لا يروا اتحاداً سوفيتياً جديداً، أمر لم يكن ليقبله رجل حاد مثل بوتين عرف بالشجاعة والدهاء، رجل لديه قناعة بأن ما حدث ما كان يجب أن يحدث، وأنه لا بد من استعادة هذا البلد.
وجد بلاده تحاصر اليوم تلو الآخر من أمريكا وحلفائها، وذراع واشنطن الأهم حلف الناتو، السياسى الذى رفض وعود دول الحلف بأن نشر قوات له أو أسلحة له قرب الحدود الروسية لا يشكل تهديداً للأمن القومى الروسى وتلقى وعوداً بذلك، لكن القيصر الروسى كانت لديه قناعة تامة بأن الأمن القومى لا يمكن أن يبنى أبداً على الوعود، لا يمكن أن يقبل رجل عمل بالمخابرات السوفيتية 16 عاماً مثل تلك الوعود.
عُرف عنه أنه لم يكن فى أى وقت راضياً عما فعله ميخائيل جورباتشوف الذى قضى على الاتحاد السوفيتى وترك الوريثة روسيا مثقلة بالمشكلات الاقتصادية التى تابعها بوتين سواء عندما كان فى المخابرات أو عندما عمل فى إدارة «يلتسن» أول رئيس بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وعندما استقال «يلتسن» وتولى «بوتين» المسئولية استطاع الرجل أن يُحدث نقلة حقيقية فى الاقتصاد وينفض أوجاع وآلام الماضى المعيشية، يؤمن بأن بلاده لا تريد الدخول فى نزاعات وصراعات، لكنه فى الوقت ذاته لا يريد أن يبدو متراجعاً أمام الغرب، يؤكد مراراً أنه لا يتحرك للحروب والنزاعات وإنما هو يتحرك لحماية أرضه، فتدخل فى القرم عام 2014 عسكرياً، وهو الذى تدخل من قبل لدعم أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ضد القوات الجورجية فى 2008، وتحرك فى 2022 ضد أوكرانيا أو أن تكون بلاده محاصرة بدول الناتو، ومع كل تحرك له لا يسلم من التهديد والوعيد، لكنه كعادته فى كل أزمة لا يتراجع أبداً مؤمناً بأن ما يراه من مصلحة أمنه القومى سيفعله لا محالة، ومؤمناً بأن الغرب هو من أخرج المارد.
«زيلينسكي»..أسير الكوميديا السوداء
ممثل كوميدى جسّد ذات يوم شخصية مُدرس تاريخ أصبح رئيساً للدولة، أضحك ملايين الأوكرانيين، وذات يوم آخر استطاع فولوديمير زيلينسكى وصل الحبل بين الخيال الدرامى والواقع، حين ترشح بالفعل لرئاسة البلاد ونجح بفضل إخفاق كبير لمن سبقوه، فحصل على أصوات الغاضبين من النخب التى تدير البلاد وتسببت فى الأزمات، انتخبه شعبه وكأنهم ينتخبون أستاذ التاريخ الذى جسَّده فى مسلسله، وكانت البسمة التى رسمها على وجوههم فى المسلسل ربما هى ذاتها عندما صوَّتوا له، لكن غابت الابتسامة وذرفت الدموع على وجوه حزينة عابسة وتحولت الكوميديا واقعياً إلى كوميديا سوداء بملايين النازحين واللاجئين والقتلى والجرحى والمشردين، والتى أتت نتيجة منطقية لعقاب روسى على سياسات زيلينسكى الذى اقترب من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسى «الناتو»، وأراد فتح حدود بلاده له، رغم القناعات التامة بل البديهية بأن الروس لن يقبلوا أبداً بهذا الوضع وتحديداً الرئيس فلاديمير بوتين.
لا يعرف أحد بعد كيف كانت حسبة الرئيس الأوكرانى، هل ظن أن الروس لن يستطيعوا التحرك عسكرياً؟ هل ظن أن الدعم الأمريكى الأوروبى له سيجبر موسكو على الخضوع؟ هل ظن أن القوات الروسية يمكن هزيمتها بسهولة؟ هل تعرض لضغط خارجى؟ أسئلة كلها مطروحة لا يستطيع أحد الإجابة عنها إلا هو. المسألة هنا ليست مسألة انحياز للأوكرانيين، ومن خلفهم الأمريكيون أو فى المقابل للروس، وإنما هى مسألة عقل ومنطق، كيف لشخص أن يلقى بنفسه فى حفرة من النار ويعتقد أن النار لن تحرقه وأنه يستطيع إخمادها؟!، هذا ما حدث، وبعده تحولت الأراضى الأوكرانية إلى مسرح عمليات كبير وساحة مفتوحة للحرب التى دفع الشعب الأوكرانى والعالم من خلفه ثمنها غالياً ولا يزال.
ربما يرى «زيلينسكى» أنه على حق، لأنه من حقه أن يقرر أن تكون سياسات بلاده موالية لأمريكا وحلفائها الأوروبيين وأنه يرأس دولة ذات سيادة، ولا أحد يستطيع أن ينكر عليه ذلك، لكن فى كثير من فنون الحرب يكون عدم الإقدام عليها أو الانسحاب أو طلب الهدنة فى الوقت المناسب أذكى القرارات العسكرية عندما تدرك أن قواتك لن تستطيع مضاهاة خصمك، وربما كانت هذه الحسبة واضحة، لكن يبدو أن زيلينسكى اختار طريق اللارجعة بالسير فى حقل ألغام عرضه وبلاده للوقوع فى دائرة المواجهة المفتوحة مع قوة عظمى لا يعرف أحد متى تضع فيها هذه الحرب أوزارها.
«بايدن»..الرقم الصعب
هناك مَن يرى أنه لو كان دونالد ترامب الرئيس الأمريكى السابق لا يزال يدير الولايات المتحدة لما كان العالم اليوم يعانى من الأزمة الروسية - الأوكرانية، وما عانى العالم من كل هذه الانعكاسات الاقتصادية والسياسية الكبيرة، خصوصاً منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ليس لأن ترامب رجل بلا مشاكل، وإنما لأن هذا هو الفارق بين عقلية رئيس ورئيس آخر، بين عقلية ترامب وبايدن، لم يكن «ترامب» أبداً مولعاً بمثل هذه الصراعات، ولم يكن يهتم كثيراً بمسألة توسع «الناتو» شرق أوروبا، لم تكن مناكفة ومشاكسة روسيا تعنى له الكثير، فى المقابل يأتى بايدن هذا الرجل الثمانينى ولديه كل الانحياز لصناعة الأزمات، صدام مع الروس، وتشجيع متواصل للرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، ودعم متواصل لخطط «الناتو» الاستفزازية لروسيا والمهددة بلا شك لأمنها القومى وفق الكتابات الغربية نفسها ووفق من يدافعون عنها باعتبار أن وضع موسكو تحت التهديد دائماً ضرورة أمريكية ملحَّة بل تسعى واشنطن لإقناع أوروبا بذلك.
«بايدن» كذلك تطارده انتقادات بأنه وراء تأجيج التوتر والصراع مع التنين الصينى، خصوصاً فى منطقة بحر الصين الجنوبى، فقد أعلن صراحة وبكل وضوح أن بلاده ستدعم تايوان عسكرياً حال تحركت بكين ضدها، وهو ما لم تشهده السياسة الخارجية الأمريكية من قبل.
«بايدن» ذاته دخل فى صدامات سياسية مع دول الشرق الأوسط تحت مسميات عدة، ثم فجأة وقبيل عام من العملية العسكرية الروسية يظهر فى أوكرانيا وتحديداً فى العاصمة كييف وكان بالإمكان أن يطرح حلولاً لأجل السلام والحوار والتفاوض لإنهاء الأزمة العالمية، لكنه اختار تأكيد دعمه للأوكرانيين، وحذر من أن هناك أسابيع صعبة مقبلة، ويعلن عن مزيد من حزم المساعدات العسكرية الروسية التى يرى فى المقابل نظيره الروسى فلاديمير بوتين أنها تعنى مزيداً من التحدى لموسكو ورفض مطالبها بضررة إبعاد «الناتو»، والخروج من الساحة الأوكرانية والحفاظ على حياد جارته. يرى مراقبون أن «بايدن» كان بيده احتواء مخاوف الرئيس الروسى، وأنه ليس بحاجة إلى التصعيد، لكن الرئيس الأمريكى اختار طريقاً آخر، وهو مسار الأزمة ولا يزال يراهن عليه، فى وقت يتراجع فيه الدعم الشعبى الأمريكى لمساعدة الأوكرانيين، وربما انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة يكون لها قرارها بشأن سياسات «بايدن».