زلزال تركيا وسوريا.. ما أضعف الإنسان

أغرب ما فى زلزال شرق المتوسط بتركيا وسوريا أنه حدثت عقبه 4323 هزة ارتدادية ضربت منطقة الزلزال عقب الزلزال الأول الذى أدوى بحياة 42 ألف قتيل، منهم 38 ألفاً فى تركيا، ومنهم قرابة 5 آلاف قتيل فى سوريا.

• رحمتك يا رب، عفوك يا رب، عدم ثبات فى قشرة الأرض يودى إلى كل ذلك الخراب؟! ما أضعف الإنسان، لحظات تهتز فيها الأرض يُقتل فيها كل هؤلاء القتلى ويُجرح فيها مئات الآلاف ويُشرّد قرابة نصف مليون إنسان بعضهم لا يفكر فى العودة إلى بلاده التى ثبت أنها من مراكز الزلازل.

• ما أحوجك أيها الإنسان لربك فى كل لحظة، ما أفقرك لمولاك الحق سبحانه، الإنسان الذى يشمخ بنفسه ويرتفع بذاته ويرى نفسه ويتعالى على الخلائق ويظلم الآخرين قد يصبح فى لحظة واحدة فى باطن الأرض، لا يجد ماءً ولا طعاماً ولا شراباً ولا خدماً ولا حاشية ولا مالاً ولا منقذاً.

• هزة أرضية واحدة قد تُفقد الإنسان أسرته وأهله وأولاده وأحبته وبعض أقاربه، وقد تجعله وحيداً فريداً دون أسرة ولا مأوى ولا زوجة ولا ولد ولا شىء، كأنه وُلد لتوه لا يملك شيئاً، فعلينا أن نعيش مع الله وبالله ولله وفى سبيل الله وابتغاء مرضاة الله، ندور حول مراده منا، ونرغب فيما يحب سبحانه، ونبتعد عن كل ما يُغضبه، فالأرض والسماء والبحار والأنهار والريح كلها مُسخَّرة بإذنه وقدرته، ويا ويلنا إذا انقلبت أحوالها ضد الإنسان الضعيف ليصبح كالريشة فى مهب الريح.

• تحول ملعب كرة القدم فى إحدى المدن التركية التى حدث فيها الزلزال إلى مقابر لدفن قتلى الزلزال، كل القبور تحمل أسماء مختلفة ولكن بتاريخ وفاة واحد هو تاريخ الزلزال، فوق شواهد القبور أغصان الصنوبر الجميلة كأنها تسرِّى عن الجميع كدر الزلزال.

• هناك أسر كثيرة حفرت قبور ذويها الميتين تحت الأنقاض، ولكن جثثهم لم تخرج حتى اليوم، وقد تغادر فرق الإنقاذ المنطقة دون العثور على جثثهم، أى أن القبر موجود ولكن الجثة غير موجودة.

• وضع غريب عجيب لم يحدث للبشرية منذ عقود، ومن كثرة الجثث فى هذه المنطقة امتلأ الملعب بالشواهد، ولم يعد فيه متسع لقبور أخرى.

• لولا حديث النبى الرائع «وصاحب الهدم شهيد» لما سكنت أنفس أقارب الضحايا، فوسام الشهادة الذى منحه الرسول «صلى الله عليه وسلم» لهؤلاء القتلى قوَّى عزيمة أقاربهم وأهلهم، وسكَّن جراحاتهم، وهدهد نفوسهم، وخفَّف آلامهم، إنه النبى الكريم الرحيم الذى ما زال حتى اليوم يرحم ضعيفنا ويجبر كسرنا ويواسى مُصابنا ويخفف عنا البلوى والمحن، سلام على النبى الرحيم، وسلام على شهداء الزلزال وجرحاه ومُصابيه وأقاربهم وأهلهم.

• فى نادرة من نوادر الحياة عثرت فرق الإنقاذ التركية على سيدة حية بعد عشرة أيام من وجودها تحت الأنقاض أى مرت عليها قرابة 222 ساعة دون طعام ولا ماء فى ظروف صعبة، ووحدة قاتلة، الموت حولها ويراودها فى كل لحظة، وبعدها بساعتين عثرت على رجل فى نفس الظروف وأنقذته حياً.

• وهذه الحالات تُعد من آيات الله فى خلقه، إذ إن فرق الإنقاذ تيأس عادة من استخراج أحياء بعد قرابة أسبوع وبعضها يغادر المنطقة المنكوبة لتبدأ الجرافات بإزالة الحطام والركام، فمعظم الأحياء يتم العثور عليهم فى الثلاثة أيام الأولى من وقوع الزلزال، ولكن كل هذه القواعد كُسرت فى مرات قليلة منها إخراج رجل من تحت الأنقاض فى زلزال هاييتى بعد 27 يوماً من وقوعه، أما فى زلزال باكستان فقد تم استخراج سيدة من تحت الأنقاض بعد 63 يوماً كاملة.

• قواعد الطب تؤكد لنا أن الإنسان لا يستطيع الحياة دون طعام أكثر من شهر، ودون ماء أكثر من خمسة أيام، أما الهواء فلا يمكن الاستغناء عنه سوى بضع دقائق، وقد تكون هناك ظروف تساعد مثل هذه الحالات على الحياة مثل وجود ماء معه، أو بعض الطعام ودون إصابة أو جروح، ويكون صاحب عزيمة جبارة، وأسباب كثيرة أخرى، ولكنها فى المقام الأول تُعد آية من آيات الله واهب الحياة ومقدِّر الموت والحياة، سبحانك ربى ما خلقت الكون والسموات والأرض باطلاً.

• الزلازل والمصائب الكبرى، مثل الكورونا وغيرها، لا علاقة لها بالطاعة والمعصية فى الغالب، إنما هى ابتلاء عام للناس لحكمة أرادها الله سبحانه وقد تأتى لأكثر الناس والبلاد صلاحاً وطاعة، وقد لا تقترب من الكفار والعصاة لحكمة أيضاً يريدها الله.

• وقد أصاب الطاعون الشام فى عهد عمر بن الخطاب ومات منه كثير من الصحابة، على رأسهم أمين هذه الأمة أبوعبيدة بن الجراح.

• وزلزال تركيا مثلاً خلف قرابة 42 ألف قتيل كلهم شهداء، وزلزال سوريا خلف قرابة 5 آلاف قتيل كلهم شهداء، فهذا اصطفاء واختيار للشهادة.