التعاون مع مصر يحتل مكانة هامة فى سياسة خارجية أوزبكستان الجديدة

على الرغم من أن المسافة بين مصر وأوزبكستان بقدرٍ ما بعيدة، تجدر الإشارة إلى أن قلوبنا متقاربة.

بالحديث عن هذا، فإن التراث العلمى والتعليمى الفريد الذى تركه أجدادنا العظماء أمثال الإمام البخارى وابن ماجه والإمام الترمزى وابن خلدون الذين عاشوا وعملوا فى ما وراء النهر ومصر، يملأ قلوبنا بافتخار بأنه ثروة لا تقدَّر بثمن للأمة الإسلامية بأجمعها.

وعلى وجه الخصوص، فى هذا الصدد، يحق لنا أن نقول إن مواطننا العظيم أحمد الفرغانى أظهر شجاعة معرفية لا تضاهى.

عاش هذا الرجل الفاضل فى أرض مصر وابتكر أعماله واكتشافاته الخالدة، بما فى ذلك جهاز قياس المياه المعروف باسم مقياس النيل.

إننا ممتنون لشعب مصر الذى وفّر الظروف والفرص المناسبة لهذا العالم العظيم لاكتساب سمعة عالمية ويُكرم ذكراه دائماً.

نقبل التمثال الرائع لجدنا أحمد الفرغانى فى مدينة القاهرة الجميلة كرمز مشرق للصداقة الخالدة بين شعوبنا.

قد تم إعلان عام 2023م فى أوزبكستان «عاماً للاهتمام بالناس والتعليم الجيد». على هذا السياق يجرى العمل المنهجى.

فى السنوات الأخيرة، ازدادت مكانة أوزبكستان الجديدة ونفوذها السياسى فى منطقة آسيا الوسطى والعالم بشكل كبير. وزادت روح الثقة فى بلدنا فى العالم، فضلاً عن مساعى ودوافع التعاون معها.

إننى فخور، ويسعدنى أن أشير إلى أن القضايا التى تراكمت على مدى السنين فى علاقاتنا مع الدول المجاورة فى منطقتنا شُرع فى حلها. فُتحت الحدود، وصارت تحل قضايا متعلقة بترسيم الحدود بشكل كامل. أعيدت العلاقات المقطوعة مع الجار، والأخ والأخ، والأب والطفل، والقريب والقريب، وبدأ السفر بحرية من بلد إلى آخر. تشهد علاقاتنا تطوراً ملموساً فى المجالات التجارية والاقتصادية والثقافية والإنسانية بشكل سريع.

لقد بدأت بلداننا، التى كانت أشقاء وإخوة منذ زمن بعيد، التعاون الوثيق فى العديد من القضايا الإقليمية والدولية، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، إذ ظهرت عبارة «روح آسيا الوسطى» فى العلوم السياسية العالمية.

بالإضافة إلى ذلك، أصبح من التقاليد الجيدة عقد اجتماعات استشارية لقادة دول آسيا الوسطى بمبادرة بلدنا، وأنها تُعد بمثابة منصة مهمة لتعزيز التعاون الإقليمى.

توضح هذه الأمثلة وحدها مدى الارتباط الوثيق والتنسيق بين السياسات الداخلية والخارجية. وأهمها أن هذا النوع من الانسجام فى سياساتنا الداخلية والخارجية يتحقق فى سبيل مصالح شعوبنا، ويشعر الناس البسطاء بنتائجها فى حياتهم اليومية ومصيرهم.

هناك جانب آخر مهم هو أن أوزبكستان اليوم، بسياستها بعيدة النظر، أصبحت مشاركاً فعالاً فى العمليات السياسية لمنطقتنا والعالم. وصلت علاقاتنا إلى مستوى جديد مع المنظمات الدولية والإقليمية مثل الأمم المتحدة، والاتحاد البرلمانى الدولى والاتحاد الأوروبى، ومنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا ومنظمة شنغهاى للتعاون، ورابطة الدول المستقلة ومنظمة التعاون الإسلامى وغيرها.

لقد انضمت بلادنا إلى عضوية مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية. لأول مرة فى تاريخها، تم انتخاب أوزبكستان لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

فى العام الماضى ترأست أوزبكستان ثلاثة أحداث سياسية دولية مهمة وهى رئاسات منظمة شنغهاى للتعاون، ومنظمة البلدان الناطقة بالتركية، ومنظمة التعاون الاقتصادى. تم عقد المؤتمرات الدولية المتوخاة فى إطار جميع الأحداث بنجاح، إضافة إلى اعتماد وثائق مهمة.

وكان هناك حدث تاريخى مهم آخر خلال رئاستنا لمنظمة شنغهاى للتعاون وذلك بتوقيع مذكرة تفاهم مع جمهورية مصر العربية بشأن منح المنظمة صفة «شراكة الحوار».

أخذت تتوسع علاقات أوزبكستان متعددة الأوجه وذات المنفعة المتبادلة مع روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا العظمى وكوريا الجنوبية واليابان والهند وباكستان والدول العربية، وخاصة جمهورية مصر العربية بصفتها من الشراكات الخارجية الرئيسية.

فى بلدنا، كما هو الحال فى العالم بأسره، يولى اهتمام جاد لحل المشكلات البيئية. جنباً إلى جنب مع البلدان المجاورة والمجتمع الدولى، نواصل بحزم الجهود الرامية إلى تخفيف آثار المآسى البيئية الناجمة عن كارثة بحر آرال. يتم إنشاء مئات الآلاف من الهكتارات من الغابات والأراضى الشجرية فى قاع البحر الجاف، وعلى نطاق واسع تتواصل أعمال تنفيذ بناء وتحسين المناطق الساحلية لبحر آرال. وفى هذا الصدد، تلعب أنشطة الصندوق الائتمانى متعدد الأطراف لضمان الأمن البشرى فى منطقة بحر أرال دوراً مهماً، والذى قد أنشئ بالتعاون مع الأمم المتحدة.

تحتل السنوات الأربع الماضية مكانة خاصة فى تاريخ ما يقرب من 30 عاماً من التعاون بين أوزبكستان والأمم المتحدة. إذ خلال هذه الفترة، تم رفع علاقاتنا المتبادلة مع هذه المنظمة إلى مستوى جديد تماماً من حيث الجودة والحجم. على سبيل المثال، ازداد الحوار السياسى رفيع وعالى المستوى بين الجانبين بشكل ملحوظ. تمكنت أوزبكستان بشكل كبير من تفعيل نشاطها فى أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة.

دعم الجانب المصرى اعتماد القرارات بمبادرة من أوزبكستان مثل «التنوير والتسامح الدينى» الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة (2018)، و«إعلان منطقة خليج أرال كمنطقة للابتكارات والتكنولوجيات البيئية» (2021)، «تعزيز الترابط بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا» (2022) وذلك بكونه من بين المشاركين فى صياغة القرارات المتعلقة بـ«تعزيز دور البرلمان فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة» (2022). كل هذا يدل أيضاً على أن لدينا وجهات نظر مشتركة.

فى الوقت نفسه، أصبحت مصر مؤلفاً مشاركاً لقرارى «حول عواقب وباء COVID-19 على حقوق الإنسان للشباب» (2021) و«الشباب وحقوق الإنسان» (2022)، اللذين تم اعتمادهما بمبادرة أوزبكستان فى إطار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وعلى الرغم من أن بلادنا مفصولة بحدود جغرافية شاسعة، إلا أن هذا الوضع لم يعرقل تطور العلاقات الثنائية. وبحسب مصادر تاريخية، منذ القدم أقامت شعوب آسيا الوسطى علاقات تجارية وثقافية مع دول الشرق الأوسط ومصر، وشارك أجدادنا فى تنفيذ أعمال البناء والعمران فى مصر.

أود أن أؤكد أن الزيارة الرسمية للرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أوزبكستان فى 4-5 سبتمبر 2018 فتحت صفحة جديدة فى تطوير علاقاتنا الثنائية.

خلال الزيارة، تمت مناقشة التوجهات المستقبلية لتطوير التعاون بين أوزبكستان ومصر، وتبادلنا الآراء حول القضايا الراهنة للسياسة الدولية والإقليمية. وفى نهاية المفاوضات اعتمدنا بياناً مشتركاً، ووُقّعت وثائق واتفاقيات تصدير بين حكومتى ووزارات ووكالات البلدين فى مجالات السياحة والاستثمار والضرائب والعدل والزراعة والتراث الثقافى والرياضة والشئون الخارجية والشباب.

إن مصر دولة تتمتع بقدرات مالية وإمكانيات استثمارية كافية. ليس هناك شك فى أن الظروف اللازمة للأعمال وإيجاد بيئة استثمارية مواتية للمستثمرين الأجانب فى أوزبكستان ستعمل على مضاعفة استثمارات رجال الأعمال المصريين فى أوزبكستان.

* سفير فوق العادة والمفوض

لجمهورية أوزبكستان لدى جمهورية مصر العربية