صدام حسين وقناة السويس!
أتعجب كثيراً من النغمة التى تتردد كثيراً بين الحين والآخر من الذين يترحمون على زمن صدام حسين وشهامته ووطنيته وعروبته، وكيف أنه لو كان على قيد الحياة لسادت العزة والعدل والكبرياء، وغيرها من الصفات التى لا يصدقها كل من عاش فترة حكمه وشاهد كيف كان العراقيون يعيشون فى سجن كبير، كان هذا قدرهم التعس، لكن ديكتاتوريته وتسلطه وغروره امتدت إلى دول أخرى، كان منها الكويت والسعودية وإيران وسوريا. الغريب أن هؤلاء الذين يروجون لصورة البطل المثالية عن صدام حسين لا يحمَّلونه مسئولية كل التبعات التى ابتُلى بها العراق الشقيق، بل لا يتذكرون ما فعله بدول شقيقة من غدر وخيانة وعلى رأسها مصر.
كان الرئيس السادات هو أول من تلقى طعنات صدام حسين، حين عقد مؤتمر بغداد لمقاطعة مصر عقب مبادرة السلام، ونقل جامعة الدول العربية، وأنشأ ما سُمى بجبهة الرفض أو الصمود والتصدى، التى نُشرت من خلالها الاتهامات بالخيانة والعمالة للرئيس البطل السادات، واشترى أقلاماً وقنوات وصحفاً، وجعل من بغداد مركزاً للهجوم على الرئيس السادات الذى سار خطوات واسعة وشجاعة نحو تحقيق السلام لبلده، بل لكل دول المواجهة، وقد استخدم نظام صدام فى ذلك الوقت كل وسائل الترهيب والإرهاب، ليس ضد مصر فقط ولكن ضد الدول العربية حتى لا تعدل عن مقاطعتها لمصر.
أما الرئيس الراحل حسنى مبارك فهناك الكثير من الحوارات والتسجيلات التى روى فيها جهوده من أجل رأب الصدع العربى قبل وبعد غزو الكويت، حين احتل الجيش العراقى دولة الكويت، وعمل على طمس هويتها لتصبح المحافظة ١٩ للعراق، لكن الأمر الغريب أنه حين كان يستقبل الرئيس مبارك ويتحدث عن الأخوة العربية والمصير الواحد، كان فى نفس الوقت يدبر لعملية مخابراتية يضرب بها أهم شريان فى مصر، وهو قناة السويس، فمنذ عدة سنوات كشف سالم الجميلى، رئيس شعبة أمريكا فى جهاز المخابرات العراقى الأسبق، عن عملية انتحارية دبرتها المخابرات العراقية، بتوجيه سفينة ضخمة من الهند إلى قناة السويس وعلى متنها عدد من الانتحاريين من المخابرات العراقية، منهم سالم عبدالحسين الربيعى، تحمل كميات هائلة من مادة الأسمنت لتغلق بها مجرى قناة السويس، ويتم تفجير السفينة فى منتصف القناة وتغرق لتقطع الملاحة بالقناة! دُبرت الخطة قبيل حرب تحرير الكويت، وتحدد توقيت تنفيذها بأن يتم أثناء الحرب، ثم جاءت الأوامر بإلغاء العملية فى آخر وقت. هذا ما ذكره سالم الجميلى وتسجيلاته متاحة لمن يريد التأكد من تلك المعلومة.
كان هذا هو صدام حسين، وتلك أخلاقه التى يتحسرون اليوم عليها وعلى أيامه، هذا الذى حارب جارته إيران، وغزا شقيقته الكويت، وخان شقيقته مصر وعمل على عزلها وعلى الإضرار بأهم مجرى مائى فى العالم على أرضها، هذا الذى أضاع خيرات بلده فى حروب وصراعات ظالمة، وزرع فيها الفُرقة بين الأعراق، وتسبب فى احتلالها وضياع ثرواتها، التى كان من المأمول أن تجعل من العراق دولة قوية غنية متقدمة، لا تكذبوا على الحاضر، فالتاريخ ما زال حاضراً!