صدور كتاب «تاريخ الغناء الشعبي من الموال إلى الراب» لـ ياسر ثابت تزامنا مع معرض الكتاب

كتب: ياسر الشيمي

صدور كتاب «تاريخ الغناء الشعبي من الموال إلى الراب» لـ ياسر ثابت تزامنا مع معرض الكتاب

صدور كتاب «تاريخ الغناء الشعبي من الموال إلى الراب» لـ ياسر ثابت تزامنا مع معرض الكتاب

يسعى كتاب «تاريخ الغناء الشعبي من الموال إلى الراب» (2023) للباحث والكاتب الدكتور ياسر ثابت، إلى سد فراغ كبير في المكتبة الموسيقية المصرية والعربية، من خلال قراءة متعمقة للغناء الشعبي، والتطورات التي لحقت به خلال الأعوام الأخيرة.

يُقدِّم الكتاب الذي يشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ54، تفاصيل ومعلومات جديدة تهتم بالتوثيق والتأريخ والتدقيق، تستقصي جذور الغناء الشعبي وأشكاله على امتداد خريطة مصر، كما يخوض رحلة عبر الزمن حتى وقتنا الراهن للحديث بالأسماء والتواريخ والمعلومات عن الغناء الشعبي، صوت المصريين العفوي والتلقائي.

يوضح المؤلف، أن الموسيقى الشعبية بشكلها الحديث نشأت في ساحات وأسواق الطبقات المتوسطة والفقيرة كنوع من التعبير عن حياة رجل الشارع، وما يواجهه من أحداث يومية، والغناء الشعبي المصري قديم قدم الزمان، فالكثير من الباحثين في العصر الحالي يرون أن الأغاني التي يغنيها الفلاحون في الصعيد أثناء عملهم لاستنهاض الهمة والتغلب على قسوة الحياة، ما هي إلا خليط تشكل في وعي الفلاح البسيط من الفلاح الفرعوني الأول، وكذلك الفلاح القبطي المسيحي، وأخيرًا نجد كلمات بعينها من الفصحى في اللكنة الصعيدية تغيب عن لكنة القاهرة، وهذا يدلل على تأثره أيضًا بالثقافة العربية وإخضاعها لإطار وعيه العام.

حظيت القرية المصرية بالغناء، في صورة تكاد تكون منتشرة في معظم الأقاليم المصرية، وهو غناء الموالد الشعبية وحلقات الذكر والاحتفالات التي تعقد حولها من قبل من كانوا يسمون بالغجر والفنانين الشعبيين المتنقلين.

أما الغناء الشعبي الرسمي في مصر، أو بالأحرى الذي استطاع الوصول للإذاعة المصرية في الماضي القريب، فأول من سيتبادر للأذهان عن ذلك النوع هو عدد من الأصوات البارزة مثل محمد عبدالمطلب ومحمود شكوكو وعبدالعزيز محمود وغيرهم.

رموز الغناء الشعبي

مع انتهاء الموجة الأولى من رموز الغناء الشعبي، يأتي أحمد عدوية الذي غيَّر شكل الأغنية الشعبية لتجنب موضوعات الغزل والغناء عن واقع الناس اليومي، بعيدًا عن المواويل الشعبية المعتادة، وأخيرًا وصلنا لما يعرف بـ«المهرجانات» الشعبية الصاخبة التي عادت ما يقترن اسمها بانتقاد الغناء الشعبي.

وتأخذ الأغنية الشعبية لونها الخاص بحسب المنطقة التي تظهر فيها، فللصعيد أغنية وللسهل أغنية وللوادي والبوادي أهازيجه ومواويله.

من بين أصحاب الإسهامات الكبيرة في تكوين مكتبة كبيرة من الأغنيات الشعبية والغناء البلدي، برز الكاتب زكريا الحجاوي الذي لعب دورًا عظيمًا في هذا الشأن؛ فقد زار ربوع مصر والوجه البحري على وجه التحديد واهتم بإبراز مواهب مثل محمد طه وخضرة محمد خضر والريس متقال وفاطمة سرحان. تلك التركيبة كانت عبقرية؛ لأنها مثّلت كل أقاليم مصر، وأصبحت معبرة عن البيئات المصرية بتعددها؛ فمثلًا نجد أغنيات ومواويل طه ارتبطت ببيئة الفلاحين والدلتا، والريس متقال وجهت أغانيه للصعيد بشكل أكبر.

تعدد موضوعات الغناء الشعبي

ويشير ياسر ثابت، إلى بروز أصوات نسائية في هذا اللون الغنائي، فإضافة إلى خضرة محمد خضر، رأينا فاطمة سرحان التي أجادت مختلف أشكال الغناء الشعبي، وجمالات شيحة، التي بدأت الغناء وهي في سن الثانية عشرة، وروح الفؤاد صاحبة أغنية «سوق بينا يا اسطى على الكورنيش».

وقد تعددت موضوعات الغناء الشعبي، وكذا الغناء البلدي -الذي يعد أحد أنواع الغناء الشعبي- لتشمل الغناء العاطفي والوطني والديني من خلال القوالب الغنائية التقليدية أو الشعبية، وتم تسجيل بعض المقطوعات من خلال لجنة التسجيل بمؤتمر الموسيقى العربية الذي عقد في القاهرة عام 1932 تحت عنوان ألحان مصرية (أغان شعبية).

ويرى «ثابت»، أن الثقافة الشعبية في مصر عرفت صنفًا من الغناء، انتشر عبر واديها من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، بما عُرِف بالموال وأشكاله المتعددة مثل موال «الطير» وموال «أدهم الشرقاوي» و«الجرجاوية» و«حسن ونعيمة».

من أبرز الموضوعات التي تناولها المؤلف في كتابه:

- بدايات مفهوم الأغاني الشعبية والأسماء التي بزغت في سماء هذا الفن قديمًا.

- دور الموال والغناء البلدي في تطوير الأغنية الشعبية في مصر، وأبرز الأصوات النسائية في هذا المجال.

- الفرق بين الغناء في مدن القناة، والنوبة وعند أهل الدلتا، وجنوب مصر، وشكل الآلات الوترية بمختلف أنواعها.

- مشوار نجاح محمد طه ومحمد رشدي ومحمد العزبي، وشهرة محمود شكوكو، ودور أحمد عدوية، ونجومية عبدالباسط حمودة وشعبان عبدالرحيم وحسن الأسمر.

يضم الكتاب أيضًا معلومات تقرأها لأول مرة عن موسيقى وأغاني وكلمات جيل ويجز ومروان موسى ومروان بابلو وأبو يوسف وشاهين.

كما يشرح الكتاب مصطلحات الراب والتراب والدِسّ والسين، وكل ما يَشغل اهتمام أبناء الجيل الحالي.

ظاهرتا المهرجانات والراب

يقول المؤلف في تقديم كتابه: «نسفت أغاني «المهرجانات» و«الراب» فكرة الحد الفاصل ما بين الفن «الرفيع» والفن «الشعبي»، وانتقلت بالجمهور من الرغبة الواعية إلى الرغبة المكبوتة، بمختلف تمثلاتها، وعملت على إطلاق سراح الثقافة الشعبية من الحدود المفروضة عليها.. صار بوسع هذه الأغاني أن تتناول أية ظاهرة أو مسألة أو موضوع بريئًا كان أم لم يكن، مستبعدًا ومهمشًا ومحرمًا أيضًا. لهذا فإن قدرتها على التأثير سواء من حيث سهولة تداولها وانتشارها، أو من حيث كونها قصيرة وقادرة على إيصال الرسالة بعبارات قليلة جدًا، تجعلها أداة تغيير بالغة التأثير».

وإذا كانت ظاهرة أغاني «المهرجانات» و«الراب» و«التراب» لم تخضع للدرس والبحث حتى الآن، كعلامة على واقع التغيرات الاجتماعية، فإنها تبقى موضوعًا بالغ الأهمية للكشف أيضًا عن التغيرات في تركيبة الثقافة الشعبية، والذوق العام، والمزاج الفني، والسلوك الاجتماعي. ولعل هذا ما يزيد من أهمية هذا الكتاب.

يشير المؤلف إلى ظاهرة الراب، متحدثًا عن أبرز رموزها الحالية في مصر: «ويجز»، الذي يعد المغني المصري الأكثر استماعًا على «سبوتيفاي» في عامي 2020 و2021. وهو مطرب مصري مزج بين موسيقى «التراب» و«المهرجانات»، وصنع تركيبة موسيقية تجمع بين الموسيقى المحلية والتأثيرات العالمية.

ويكفي أن نشير إلى أن «ويجز» أشعل جنبات منطقة المشجعين داخل استاد لوسيل بين شوطي مباراة الأرجنتين وفرنسا، في نهائي مونديال قطر 2022، بأغنيته «عز العرب»، التي حققت 1.5 مليون مشاهدة خلال أربعة أيام. قدَّم «ويجز» استعراضًا غنائيًا، وهو يرتدي الجلباب، وتفاعل الجمهور مع العرض الراقص الذي صمّمت رقصاته المصرية ليلى غالب.

بالأرقام، يتابع «ويجز» قرابة 10 ملايين متابع على مواقع التواصل الاجتماعي، منهم 3.2 مليون متابع على يوتيوب، و2.8 مليون متابع على فيسبوك، و3.3 مليون متابع على إنستغرام، و385 ألف متابع على تويتر.

بدا لكثيرين أن «ويجز» يمثل تحديًا لمنظومة سيطرة الشلل الفنية والثقافية السائدة، وبات ثمرةً لديمقراطية التكنولوجيا التي تسمح لنماذج من الهامش بأن تحتل المتن طالما أنها تمتلك الموهبة والقدرة على التقاط روح العصر.

تناول «ويجز» منذ ظهوره الكثير من الموضوعات، والتي من الممكن اعتبار أنها الخيوط التي يسير على دربها «الراب» المصري.

تحفل أغاني «ويجز» والتي يؤلفها في الغالب، بالحديث عن نفسه ومعاناته الشخصية، سواء كانت هذه المعاناة بسبب تردي وضعه الاجتماعي قبل الشهرة، أو بسبب الخوف من عدم تقبل المجتمع له ولطموحاته، وهي سمة غالبة لأغاني «الراب» المصري عامةً، فالمعاناة هنا تنتقل من كونها شخصية تخص «ويجز» وزملاءه فقط لتعبِّر عن معاناة هذا الجيل بأكمله، والتحديات التي أجبروا على مجابهتها بصدور عارية.

يعد الدكتور ياسر ثابت، من الباحثين والمؤلفين الذين يجمعون بين الدقة العلمية والرصانة وجودة الأسلوب، فضلًا عن الموسوعية وغزارة الإنتاج، حيث صدر له أكثر من 80 كتابـًا في الأدب والتاريخ، ومن أبرز مؤلفاته: «قصة الثروة في مصر»، «ذاكرة القرن العشرين»، «شهقة اليائسين: الانتحار في العالم العربي»، «تاريخ اليهود في مصر والعالم العربي»، «مقامات الروح: دليل إلى الأغنية العربية».


مواضيع متعلقة