قبل معرض الكتاب: صناعة النشر إلى أين؟
تبدأ غداً رحلتنا السنوية إلى معرض الكتاب، والتي ننتظرها دوماً بشغف، غير أنها تواكب هذا العام تحديات تعيشها صناعة النشر.
اهتمام المصريين بالمُطالعة لم يتناقص، غير أن واقع صناعة النشر، في ظل التحديات العالمية الراهنة، بات يؤرق القائمين على هذه الصناعة، وبلغة الأرقام، فإن مؤشراً واحداً هو سعر ورق الطباعة، يعد إحدى تحديات واقع صناعة النشر، هذا إذا أغفلنا باقي مدخلات صناعة النشر مثل دورة الطباعة، ورسوم النقل والتخزين والتوزيع وايجار نقاط العرض، والتدقيق اللغوي وتصميم الأغلفة، وتكاليف أخرى يتكبدها الناشرون حتى لا تغيب الشمس عن هذه الصناعة التنويرية.
هذا الواقع يتقاسمه الناشرين والقراء على حد سواء، فكلاهما لا يرى في اقتناء الكُتب بشكلها التقليدي رفاهية يُمكن اجتنابها أو الاستعاضة عنها بالكتب الإلكترونية، فالكتاب الورقي مازال يحتفظ بحظٍ وافرٍ من شعبيته، لجوانب تتعلق بالارتياح لتصفح الكتاب، وتجنب إجهاد العين والصداع الذي تسببهما الوسائط الرقمية.
ولست أعتقد أن حجم زوار معرض الكتاب الحالي قد يتأثر بتلك المعطيات، حتى وإن كان الدافع اعتياد هذه الرحلة الشائقة، لتكون الكرة في ملعب الجهات المنظمة بما يمنحونه من تيسيرات دائمة لمساندة العارضين، ومن ثم تتمكن دور النشر من تقديم نسب تخفيضات تجتذب القراء، وتضمنُ مبيعات تُرضي الناشرين، وتقلص مُرتجعات الكتب، للحفاظ على مكانة المحفل الثقافي العربي الأبرز الذي تجاوز عمره نصف قرن.
بين المبادرات المُعلنة أرفع القبعة لبادرة وزارة الثقافة بتخصيص جناح يجمع دور نشر مصرية ناشئة، تقدمت للمشاركة دون أن تتمكن من استيفاء بعض الاشتراطات البسيطة، فهذه مساندة حقيقية لهذا القطاع، وأرى ان الصدى الأكبر لدى القارئ سيكون لمبادرات دور النشر ذاتها من نسب تخفيضات جاذبة، أو بيع نسخ اقتصادية التكلفة من الكتب، كما ننتظرُ مواصلة أجنحة وزارة الثقافة اجتذاب الزوار بأسعار منافسة وعناوين ثرية، من خلال إصدارات الهيئة العامة للكتاب، وهيئة قصور الثقافة، والمركز القومي للترجمة.
ولعلي أتطلعُ بشكل شخصي لمضاعفة الدعم الوطني الملموس لصناعة النشر، ربما من خلال دراسة دمجه ضمن برامج الدولة لمساندة المشاريع متناهية الصغر والناشئة، وفق ضوابط تضمن حوكمة هذا الدعم، فهو يمس جوهر عملية بناء الإنسان التي تتبناها الدولة المصرية كمحورٍ أصيل في استراتيجيتها لتحقيق التنمية، حيث ستظل الثقافة حجر بناء وقبس تنوير.
اختتم المقال بكلمات المُبدع «صلاح جاهين»، أيقونة الدورة الحالية للمعرض، لعلها تُجدد «الأمل فينا» كما شدت كوكب الشرق، إذ قال «جاهين»: «يأسك وصبرك بين أيديك وأنت حُر.. تيأس ما تيأس الحياة راح تمُر.. أنا دقت من ده ومن ده وعجبي.. لقيت الصبر مُر وبرضه اليأس مُر».