«المياه الجوفية»تهدد مساكن أسوان والأهالى:«الحقونا أو ترحَّموا علينا»
«يا ريت تلحقونا قبل ما تترحَّموا علينا»، كانت هذه الجملة هى التحذير الذى أطلقه عبدالسلام حمزة، بالمعاش، وهو يصف لـ«الوطن» معاناة عشرات الأسر التى تهدد المياه الجوفية عماراتهم فى العديد من المناطق بمدينة أسوان، بعدما وصل ارتفاع المياه إلى مستوى خطر، ببلوغه مترين داخل البدرومات، دون أى تحرك من جانب الأجهزة التنفيذية.
ولم يفرق خطر المياه الجوفية بين المناطق الراقية أو العشوائية فى المدينة، فهاجمت العقاد، والشعبية، وخور عواضة، والناصرية الوسطى، وطريق السادات، كما ظهرت أسفل أبراج الضغط العالى فى مستعمرة صحارى، القريبة من السد العالى، ما جعل العديد من الأهالى يهجرون منازلهم خوفاً من انهيارها على رؤوسهم، فيما بقى آخرون لم يستطيعوا تدبير منازل بديلة، وواصلوا مراقبة جدرانها تتشقق.
يقول «حمزة»، المقيم فى عمارات حى العقاد، قرب مسجد الجعفرية: «لم يسمع أحد من المسئولين الكبار، الجالسين فى مكاتبهم، أصواتنا، ولم يقرأ أحدهم كلامنا، أو يشعر بمعاناتنا، والخطر اليومى الذى نعيش فيه مع أولادنا»، مضيفاً أن أهالى المنطقة، التى يوجد فيها أكثر من 10 عمارات سكنية، لم يتركوا مسئولاً واحداً فى المحافظة إلا طرقوا بابه، دون جدوى.[FirstQuote]
ويوضح: «خسرنا بدرومات العمارات، وبدأنا فى ردمها، حتى اقتربت المياه من الطوابق الأرضية، وتشبعت الشوارع بالمياه، وقطع الناموس والذباب أجساد أولادنا، رغم أننا نسكن واحدة من أرقى مناطق أسوان»، مضيفاً: «لا نمتلك أى حلول لمواجهة ارتفاع المياه فى البدرومات سوى الردم، فالشفط لم يحل الأزمة، لأن المياه تعود مرة أخرى، لكن الخوف الحقيقى هو على أساسات العمارات، لأن المياه تزيد يومياً، ما يحتاج إلى مصروفات كبيرة، وعندما توجهنا إلى شركة مياه الشرب والصرف الصحى، لم تقدم لنا أى حل، أما المحافظة فوعدتنا بشفط المياه كل فترة، لكن هذا لم يحدث». من جهته، قال محمود عبدالصبور، 45 سنة، مقيم فى شارع 5 بمنطقة السيل الريفى: «إن أزمة تسرب المياه فى البدرومات بدأت فى الظهور اعتباراً من عام 2007، وهى تزيد يومياً، وتستلزم تدخلاً من الدولة لحلها، خاصة أن إمكانياتنا محدودة، فكل ما نستطيع القيام به هو الردم، أو الحفر فى الشارع لتجميع المياه فيها»، وأضاف: «نخشى الآن أن تحدث كارثة، وتقع البيوت على رؤوسنا، وعندها سنجد المسئولين يجرون إلينا، متسائلين لماذا لم نخبرهم، رغم أننا لم نترك مسئولاً دون طرق بابه، ونحن الآن نخشى حدوث انهيارات أرضية، يذهب ضحيتها الكثير من الأرواح».
وأكد الدكتور سيد عبده خليل، نقيب العلميين فى أسوان، أن ارتفاع المياه الجوفية فى العديد من المناطق ذات الكثافة السكانية فى أسوان «شديد الخطورة»، لذلك بحث المهتمون بالبيئة، والباحثون العلميون تلك الظاهرة، وأجرينا دراسة بحثية كبيرة، تبين منها أن ارتفاع منسوب المياه الجوفية شمل العديد من الأحياء، خاصة الواقعة فى الجزء الشرقى منها، مثل الشلال وكيما والسيل وخور عواضة.[SecondImage]
وأضاف: «أظهرت الدراسة وجود ارتباط بين منسوب المياه الجوفية والسطحية فى المحبس الواقع بين السد العالى وخزان أسوان، ما يرجع إلى عدة أسباب، منها توقف ضخ المياه الجوفية من 40 بئراً تابعة للشركة القابضة لمياه الشرب فى منطقة الشلال، كانت تسحب 34 ألفاً و560 متراً مكعباً يومياً، وانخفاض سحب المياه الجوفية من آبار شركة كيما، من 36 ألفاً و744 متراً مكعباً يومياً، إلى 25 ألفاً فقط، بالإضافة إلى تسرب المياه السطحية من أحواض مشروع المفرخ السمكى فى منطقة الشلال، نظراً لعدم تبطين الأحواض، التى يضخ فيها 12 ألفاً و960 متراً مكعباً يومياً، وهى تقع فى منسوب مرتفع، مقارنة بمنسوب المياه فى البحيرة بين السد العالى والخزان».
وأشار إلى وجود أسباب أخرى لزيادة منسوب المياه الجوفية، منها تسرب المياه الزائدة عن حاجة رى الزراعات والحدائق فى منطقتى الشلال وكيما إلى الخزان الجوفى، نظراً للاستمرار فى الرى بطريقة الغمر، وتسرب مياه الصرف الصحى إلى الخزان الجوفى من منطقة الشلال، ذات الكثافة السكانية، وعدم وجود شبكة للصرف الصحى فيها.
ورغم أن الدراسة أثبتت صلاحية المياه الجوفية للاستخدامات المختلفة، من الناحية الكيميائية، فإنه تبين عدم صلاحيتها من الناحية البيولوجية، نتيجة تعرضها للتلوث العضوى، بسبب عدم وجود شبكة للصرف الصحى فى منطقة الشلال، وعدم تبطين أحواض تربية الأسماك فى المفرخ، فيما أثبتت التحاليل إمكانية استخدام تلك المياه، بعد معالجتها بالكلور، حيث تبين خلوها من البكتيريا بعد المعالجة.
وأوضح نقيب العلميين: «نوصى الجهات المسئولة فى المحافظة بالانتهاء فى أسرع وقت ممكن من مد شبكة الصرف الصحى لمنطقة الشلال، وإلغاء بيارات الصرف المستخدمة، وإعادة تشغيل الآبار الإنتاجية المتوقفة والمعطلة، لخفض منسوب المياه فى الخزان الجوفى»، مضيفاً: «يمكن التخلص من المياه الجوفية المستخرجة، إما بإلقائها فى النيل، عبر ترعة السيل، أو رفعها لزراعة الحدائق والمناطق الصحراوية، بعد التأكد من خلوها من أى ملوثات».
وطالب بتبطين أحواض تربية الأسماك فى مشروع المفرخ بمواد عازلة من القاع والجوانب، لمنع تسرب المياه السطحية إلى الخزان الجوفى، ورى المزارع والحدائق بالتنقيط بدلاً من الغمر، كما دعا شركة مياه الشرب فى أسوان إلى الكشف الدقيق على شبكات مياه الشرب الخاصة بها فى منطقة السيل الريفى، وخور عواضة، والتأكد من خلو الشبكة القديمة من المياه.
من جهته، أكد المحافظ اللواء مصطفى يسرى، فى تصريحات لـ«الوطن»، تشغيل 11 بئراً ارتوازية فى منطقة الشلال، منها 7 آبار لضخ مياه صالحة للشرب، بقدرة 175 لتراً فى الثانية، لتغذية عدد من المناطق التى تعانى من ضعف المياه، بالإضافة إلى 4 آبار أخرى، تضخ مياهاً غير صالحة للشرب إلى مصرف السيل، لتطهيره من أى عوالق أو حشائش، موضحاً أن «المحافظة تحول تدفق مياه الآبار الارتوازية من الشلال إلى مصرف السيل، لاستغلالها فى إجراء عملية التطهير والغسيل للمصرف، ويتم تنفيذ هذه الإجراءات العاجلة لمواجهة الظاهرة، بتخفيف ضغط المياه الجوفية على المناطق السكنية».
وأوضح أن «تشغيل هذه الآبار سيؤدى إلى خفض مناسيب المياه الجوفية فى هذه المناطق، بما يضمن تأمين المنشآت والمبانى السكنية»، لافتاً إلى أنه كلف الأجهزة التنفيذية بسرعة تشغيل باقى الآبار الارتوازية فى الشلال، للقضاء على المشكلة نهائياً، كما تم وضع حلول عاجلة لسحب المياه الجوفية داخل هذه المناطق، حرصاً منها على الأرواح والممتلكات والثروة العقارية، لحين تشغيل جميع الآبار الارتوازية».
وأكد معاينة لجنة من المختصين فى كلية الهندسة بجامعة أسوان للمبانى والعقارات السكنية التى تعرضت لارتفاع منسوب المياه الجوفية، بهدف التأكد من سلامة الأساسات، وإعداد تقارير فنية بحالتها، لحين وضع حلول جذرية للمشكلة، وتنفيذ أى أعمال هندسية توصى بها اللجنة، فى حالة وجود تهديدات لها، بالإضافة إلى شفط المياه، وردم البدرومات بما يضمن عدم وجود أى تسربات للمياه.
وكشف عن رصد 10 ملايين جنيه لتنفيذ مشروع الصرف الصحى فى منطقة الشلال، بما يساهم فى القضاء على مشكلة ارتفاع منسوب المياه الجوفية، التى تعانى منها بعض المناطق السكنية المنخفضة فى أسوان، بالإضافة لتشكيل لجنة لمعاينة عدد من المناطق فى المدينة، سواء العقاد أو السيل أو الشعبية أو خور عواضة أو الناصرية الوسطى أو طريق السادات.