"الوطن" تنشر كلمة وزير العدالة الانتقالية عن إدارة الانتخابات

"الوطن" تنشر كلمة وزير العدالة الانتقالية عن إدارة الانتخابات
تنشر "الوطن"، كلمة المستشار إبراهيم الهنيدي، وزير العدالة الانتقالية وشؤون مجلس النواب، خلال ورشة عمل الهيئة الدائمة لإدارة الانتخابات في مصر، اليوم بالعين السخنة.
وإلى نص الكلمة:
"السيدات والسادة، الحضور الكرام، أتشرف بأن أرحب بكم جميعًا في مستهل ورشة العمل، التي تناقش وتحلل تنظيم الهيئة الدائمة لإدارة الانتخابات في مصر ومسؤولياتها، تلك الورشة المنظمة تحت رعاية المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، فلهم ولجميع المشاركين خالص التقدير.
عقب ثورتي 25 يناير 2011، و30 يونيه 2013، مرت مصر بمرحلة انتقالية، كشفت عن رغبة الشعب المصري العظيم في التغيير والتطوير، وأظهرت إرادته في وأد نظامين استبداديين، والتحول لنظام ديمقراطي بناء، يعطي للحقوق والحريات كل حماية، بغية الانطلاق بمصر إلى آفاق المستقبل، ووضعها في إطارها الحقيقي من الحضارة والازدهار.
ومنذ 3/7/ 2013 تم الاتفاق على خارطة طريق واضحة المعالم؛ لإعداد دستور جديد يتفق والمعايير الدولية لحقوق المواطنين، ويستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، نتحرر به من أخطاء الماضي الأليم، ونستنهض به الحاضر، ونشق الطريق إلى المستقبل، وتستكمل خارطة الطريق معالمها وملامحها بانتخاب رئيس جمهورية للبلاد، ثم إجراء انتخابات برلمانية، وتحقق الاستحقاقان الأول والثاني بمنتهى النزاهة والشفافية، حسب ما أشار بذلك المحايدون والمراقبون الدوليون قبل المحليون، وجاري الانتهاء خلال الأسابيع المقبلة، من الاستحقاق الأخير لخارطة الطريق، بإجراء انتخابات البرلمان الجديد.
إن الشعب مصدر السلطات، هذا المبدأ مستقر في أدبيات العلوم السياسية وكل النظم الديمقراطية الحديثة، والاعتراف بهذا المبدأ لا يحتاج مجرد النص عليه في وثيقة دستورية، بعدما لمسناه على أرض الواقع على مدار الأعوام السابقة.
إن الشعب المصري كان ولازال، واعيًا لمفهوم النظام الديمقراطي الحقيقي الذي يقوم على أسس قانونية، وأطر مؤسسية وفقًا للقواعد المستقرة في هذا الشأن، من خلال تداول سلمي للسلطة عبر انتخابات حرة دورية تنافسية نزيهة، تتم من خلال اقتراع سري مباشر وفقًا لقانون عادل، تحت إشراف جهات محلية ودولية محايدة، ويكون بعدها في مصر معارضة قوية قادرة على كشف أخطاء الحزب أو التيار الفائز بالسلطة، وتقدم البدائل في السياسات والأشخاص، مع ضمان الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين دون تمييز.
إن الشعب المصري - على اختلاف طوائفه وأنماطه - يؤمن بالديمقراطية طريقًا ومستقبلًا وأسلوب حياة، وبالتعددية السياسية وبالتداول السلمي للسلطة، هذه هي المباديء التي تقوم عليها مصرنا الآن، وتعد هي الركائز الأساسية لتنفيذ الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق.
ومما لاشك فيه، أن تقدم أي دولة، ومعيار رقيها وازدهارها يكمن في نظامها القانوني ومدي تلبية هذه القوانين لحاجات المجتمع، وكيفية تنظيمها لسلوك أفراده، فسيادة القانون هي أساس الحكم في الدولة، ويتعين من أجل خلق دولة حديثة مزدهرة، وضع كل المقومات التي تكفل وحدة النظام القانوني وضمان تطوره، حتى يعبر عن ضمير المجتمع واحتياجاته وقيمه في نظرة تقدمية شاملة، تعكس آمال الشعب وتطلعاته، وتكفل استمرار حركته وتطوره.
وإذا كان القانون بحكم كونه وليد المجتمع، يتطور وينمو بتطوره ونموه، ومن ثم ظهرت الحاجة والضرورة بعد ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيه 2013، إلى الإصلاح التشريعي لمنظومة القوانين القائمة والسارية في مصر، حتى تتسق وتتوافق مع المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد في المرحلة الحالية، وحتى تتفق مع أحكام ونصوص الدستور الحالي لمصر 2014، ومن ثم وضعت الحكومة نصب عينيها بعد تحقق الاستحقاق الثاني لخارطة الطريق، القوانين والتشريعات المصرية، وأهمية إعادة دراستها وبحثها وصياغتها الصياغة المثلى، التي تسمو فيها المباديء التي نظمها الدستور المصري الجديد، وما طالبت به القوى الشعبية في ثورتي مصر المجيدتين، ولهذه الغاية تم إنشاء اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، بموجب قرار جمهوري صدر في يوليو 2014، وكان على رأس اختصاص تلك اللجنة، إعداد دراسة وبحث جميع مشروعات القوانين والقرارات الجمهورية، وقرارات رئيس مجلس الوزراء، وتوحيد الموضوعات المتجانسة فيها، وإزالة التعارض فيما بينها، وتيسير وتسهيل سبل التقاضي والوصول للعدالة الناجزة، ويعد قانون الهيئة الوطنية للانتخابات من ضمن القوانين المعروضة الآن على اللجنة العليا لصياغته، في ضوء النصوص الحاكمة المتعلقة بها الواردة في الدستور، وعلى ضوء التشريعات المقارنة والتجارب العالمية في هذا المجال، بما يتناسب مع الطبيعة الفريدة والشخصية المتفردة للمجتمع المصري.
السيدات والسادة، إذا كانت الديمقراطيات لا تولد إلا من رحم الشعوب، والتي تعبر عنها من خلال انتخابات حرة نزيهة، فإن المتبع في مختلف دول العالم، أن تتولي أجهزة دائمة الإشراف على الانتخابات والاستفتاءات، وهي إما أجهزة حكومية أو مستقلة أو مختلطة، إلا أن الاتجاه السائد الآن في الديمقراطيات الحديثة، هو اضطلاع كيانات مستقلة بإدارة الاستفتاءات والانتخابات بمختلف أنواعها، تتوافر لها الاستقلالية والديمومة والحيدة، بما من شأنه بناء جسور الثقة بين الناخب والجهة المسؤولة عن العملية الانتخابية، وتعزيز المصداقية في كافة أعمالها وما تعلنه من نتائج.
وتجدر الإشارة إلى أنه وعلى رغم ما شهدته الإدارة الانتخابية في مصر في الآونة الأخيرة من تطور ملحوظ، إلا أنه ونظرًا لعدم وجود كيان واحد دائم يضطلع بمهام تلك الإدارة، فإن العملية الانتخابية مازالت تعاني من بعض الصعاب، أهمها تغيير تشكيل الإدارة الانتخابية والأمانة الفنية من فترة إلى أخرى وفقًا لتغير شخص من يتولى المنصب، فضلًا عن عدم وجود هيكل إداري دائم، ما أدى إلى صعوبة إعداد كوادر متخصصة مدربة والافتقار إلى تراكم الخبرات.
وبعد ثورتي الخامس والعشرين من يناير 2011، و30 من يونيو 2013، انضمت مصر إلى مصاف الدول التي تسعى إلى تحقيق الديمقراطية لبناء مستقبلها، ومن هنا جاء دستور البلاد ليحمل بين نصوصه قواعد جديدة لإعادة الانتخابات والاستفتاءات في مصر، لأول مرة في تاريخها، من خلال إنشاء هيئة وطنية مستقلة للانتخابات.
وإذا كان الشعب المصري- وبعد الاستفتاء على الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية- نجح في إنجاز استحقاقين رئيسين من استحقاقات خارطة المستقبل كما أسلفنا، يبقى الاستحقاق الثالث الذي لا يقل أهمية عنهما، وهو الانتخابات النيابية، ويبدأ بعده مباشرة عمل الهيئة الوطنية للانتخابات ككيان دائم ومستقل في إدارة أي انتخابات أو استفتاءات قادمة، بل وإن اقتضت الضرورة إلى إجراء أي انتخاب أو استفتاء قبل تلك الانتخابات فستتولي الهيئة إدارته والإشراف عليه.
وإذا كان الدستور المصري، أوضح في المواد 208 ، 209 ، 210 منه، الملامح الأساسية لهذه الهيئة، بتحديد اختصاصاتها ومجلس إدارتها وجهازها التنفيذي، وتنظيم الطعون على قراراتها، فإن قانون إنشائها المنظور مشروعه حاليًا أمام اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، أبان بصورة مفصلة دقيقة تلك الملامح محددًا لها، وسيعرض هذا المشروع فور الانتهاء منه على البرلمان المقبل لإصداره، وفقًا للمادة 121/4 من الدستور الجديد.
السيدات والسادة، إن التحديات كبيرة، ولكن الآمال أكبر والعزائم أقوى وأشد، ونحن قادرون بإذن الله تعالى على تحقيق آمالنا وتفعيل عزائمنا نحو استكمال خارطة الطريق وبناء مصر الحديثة، القائمة على بناء ديمقراطي جديد، يعلي من قيم حقوق الإنسان، وينهض به إلى آفاق أكثر رحابة وحرية لكل المصريين.
أتمنى كل النجاح لفاعليات هذه الورشة، والتوفيق لنا جميعًا في أن نخرج منها بنتائج يكون لها أثرها المأمول، في التبصرة بالهيئة الوطنية للانتخابات، وكيفية الإدارة الانتخابية المثلى مستقبلًا.