منتظر الزيدي.. صاحب الحذاء الذي دخل التاريخ

منتظر الزيدي.. صاحب الحذاء الذي دخل التاريخ
دفعته جرأته إلى إهانة رمز القوى العظمى في العالم، ودفعته الوطنية إلى الثأر لبلده الجريح، اشتهر بقذفه زوجي حذائه صوب الرئيس الأمريكي، جورج بوش، أثناء انعقاد مؤتمراً صحفياً في بغداد يوم 14 من ديسمبر عام 2008، حتى أصبح حديث الساعة بين عشية وضحاها في ذلك الوقت، وأشادت به الجماهير العربية حتى لقبوه بالبطل، واستهجنه الغرب، وجهة الاتفاق الوحيد بين الشرق والغرب تلقيبه بـ"قاذف الحذاء".
استطاع الصحفي العراقي، أو "البطل"، كما لقبه العرب، منتظر الزيدي، أن يشغل حديث وسائل الإعلام العالمية بعدما قذف زوجي حذائه صوب الرئيس الأمريكي جورج بوش، صائحاً "هذه قبلة الوداع من الشعب العراقي أيها الكلب الغبي" وقال وهو يرمي الزوج الأخر من حذائه" وهذه من الأرامل، والأيتام، والذين قتلتهم في العراق"، فأصاب أحدهما علم الولايات المتحدة خلف الرئيس الأمريكي بعد أن تفادي الحذاء بسرعة فائقة، في زيارة بوش للعاصمة العراقية بغداد، للمرة الأخيرة، قبل انتهاء ولايته للاحتفال بإقرار الاتفاقية الأمنية مع العراق، في مفاجأة أذهلت الحضور من هولها.
عرف ابن بغداد، بالهدوء بين زملائه، وبرفضه الاحتلال الأمريكي للعراق، استغل دراسته بكلية الإعلام جامعة بغداد، في مهاجمة السياسة الأمريكية في العراق، خلال التقارير التي يبثها على شاشة قناة "البغدادية" التي عمل بها مراسلاً منذ إنشائها عام 2005.
وتعرض الزيدي للاعتقال، على يد الحرس المُكلف بحماية الرئيس الأمريكي، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وذلك بعد فعلته التي خلفت فوضى عارمة اهتزت لها أرجاء القاعة التي كانت خير شاهداً علي الواقعة، حتي تم إيداعه في أحد سجون العراق، بينما استكمل "بوش" خطابه بنفس متغطرسة تخفي وراءها صوت مرتعش من هول المفاجأة قائلاً "هذا أغرب شيء تعرضت له أثناء ولايتي، ولا أعرف ما مشكلة الرجل، لكنني لم أشعر ولو قليلاً بأي تهديد".
لم تكن هذه المرة هي الأولى التي يتعرض لها الزيدي، للخطف والاعتقال، منذ ميلاده في 15 يناير عام 1979، ففي 16 من شهر نوفمبر عام 2007 تم اختطافه أثناء توجهه لمقر عمله، و روى أن الخاطفين أجبروه على الدخول إلى سيارة، وتعدوا عليه بالضرب حتى أفقدوه الوعي، ثم استخدموا ربطة عنقه ورابط أحذيته لتقييد يديه، واستجوبوه حول عمله كصحفي، إلا أنهم أفرجوا عنه وأطلقوه في الشارع معصوب العينين دون مقابل مادي أو فدية، ليعود لأسرته يوم 19 من نفس الشهر واصفاً نجاته بالمعجزة.
لم يمض سوى شهرين فقط حتى اعتقلته القوات الأمريكية في يناير 2008، وفتشوا مسكنه بالكامل قبل أن يطلقوا سراحه ويعتذروا له لاحقاً، لتمضي الأيام والشهور حتى جمعت الصدفة بينه وبين الرئيس الأمريكي في نهاية العام نفسه، خلال اللقاء الذي جمع بين بوش، ورئيس الوزراء العراقي نور المالكي، وأدرك وقتها الزيدي، أن القدر قدم له فرصة العمر على طبق من ذهب ليثأر لبلده، أولاً ولنفسه ثانياً، حتى فعل ما فعله.
وقف الجميع على قدم وساق، وامتلأت أرجاء القاعة بأصوات متناقضة، فالبعض يهلل فرحًا، والبعض الأخر يصيح غضباً، ومن بين هذا الطوفان البشري استطاعت قوات الأمن العراقيين، والأمريكيين، أن تُمسك بالزيدي، وطرحه أرضًا حتى زجوا به إلى خارج القاعة مخلفاً وراءه خيط من الدماء يسيل منه على الأرض، ليبدأ رحلة طويلة من المعاناة في ظلام المعتقل، حبيساً بين جدرانه التي لا يعرف الضوء لها طريق.
خرجت أسرة الزيدي عن صمتها عقب الحادثة، وصرحت بتلقيها العديد من مكالمات التهديد، وأكد ضرغام الزيدي، شقيق البطل، أن أحد العاملين في المنطقة الخضراء أكد له أن منتظر نقل إلى مستشفى ابن سينا في المنطقة الخضراء بالعراق لتلقي العلاج إثر إصابته بكسر في ذراعه، وأحد أضلاعه، وإصابات في مناطق متفرقة من جسده.
عقب انتشار الخبر بين وسائل الإعلام حظي الزيدي بتأييد كبير من الرأي العام العربي، حتي حذاءه أيضا كان له نصيب كبير من الاهتمام حيث اعتبره الكثيرون رمزا للكرامة، للدرجة التي دفعت أحد المواطنين السعوديين إلي عرض مبلغ 10 مليون دولار لشراء الحذاء إشادة بموقفه البطولي، ولم يقتصر الأمر عن هذا الحد، بل عرض المدير الفني السابق للمنتخب العراقي عدنان حمد مبلغ 100 ألف دولار لشراء الحذاء، ولعل الموقف الأغرب هو ظهور مجموعة ألعاب على شبكة الإنترنت تظهر الحذاء وهو يُرمى في وجه الرئيس جورج بوش.
وقضت محكمة عراقية، في 11 مارس 2009، على الصحفي العراقي منتظر الزيدي، بالسجن 3 سنوات قابلة للتمييز، حتى تم تخفيف الحكم 7 إبريل عام 2009 ليصبح عامًا واحدًا بدلاً من 3 أعوام.
قضى الزيدي ثلاثة أرباع المدة المحددة داخل محبسه بالعراق، حتي أحق له القانون العراقي الخروج من السجن، على شريطة حسن السير والسلوك، وأطلق سراحه في 15 سبتمبر 2009، وكأن المقولة الشهيرة "يا لسخرية القدر"، طبقت بحذافيرها علي الزيدي في ديسمبر من نفس العام في باريس، حيث تعرض للرشق بالحذاء من صحفي عراقي أخر يدعي سيف الخياط، لكنه نجح في تفاديها، وأمر حراسه بعدم ضرب الصحفي الذي اعتدى عليه مكتفياً بمعاقبته عن طريق طرده مجرداً من حذائه.