45 سنة حرمان.. «سيدة الكرنك» تعود إلى أحضان الحبايب
![«سيدة الكرنك» بعد عودتها](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/4180865911673897523.jpg)
«سيدة الكرنك» بعد عودتها
«مسير الحى يتلاقى».. كلمات هى الأنسب لقصة الحاجة رضا عبدالرحيم، الملقبة بـ«سيدة الكرنك»، التى غابت عن والديها وهى طفلة تمرح فى الربيع السادس من عمرها، لتتشرد فى الشوارع من بلدةٍ إلى أخرى على أمل العودة إلى أسرتها، وتظل على هذا الحال طيلة 45 عاماً كاملة، حتى عادت أخيراً ليستقبلها الأهل والجيران بفرحة كبيرة شكلتها زغاريد النساء وتبريكات الرجال وتهليلهم.
بدأت قصة «رضا» وهى فى السادسة من عمرها، حينما كانت تلهو بجانب والدتها التى تجلس بعباءتها السمراء تبيع بعض الخضراوات والفاكهة البسيطة بجوار السكة الحديد بمدينة الفشن بمحافظة بنى سويف، وبدلاً من التشبث بوالدتها راحت «رضا» مدفوعة بتلقائية الطفولة وعفويتها تستقل أحد القطارات، الذى لم يعذر بساطتها وقلبها الصغير وراح يتحرك بها ولا يسمح لها بالنزول سوى بعد عدة ساعات، وبدلاً من رؤية والدتها و«فرشة البضاعة» بجوار المحطة، وجدت نفسها فى مكان غريب لا تعرف فيه أحداً ولا أحد يعرفها، والكل يمر بجانبها بلا اكتراث لأمرها، لتبدأ من وقتها حياة جديدة خالية من الأب والأم والأشقاء و«فرشة البضاعة»، بل وخالية من اللهو ولا تعرف سوى الشقاء والدموع.
ظلت «رضا» تتنقل بين شوارع تلك البلدة الجديدة التى ألقاها إليها القدر فى صورة قطار، لا تعرف ماذا تريد أو إلى أين تذهب، حتى لفتت هيئتها وهى تمشى شاردة انتباه رجل طيب، حاول مساعدتها وأخبرها بأنها موجودة الآن فى مركز ملوى بمحافظة المنيا، وعندما فشل فى معرفة قصتها أو من أين جاءت قرر أن يأخذها معه يتولى تربيتها كواحدة من أبنائه.
مرت السنون على الطفلة داخل منزل الرجل وهى لا تزال تتذكر والديها يومياً وتحاول العودة إليهما ولكن دون جدوى، فلم تعد تتذكر ما حدث معها أو من أين جاءت، لكنها قررت فى الخامسة عشرة من عمرها الخروج من منزل الرجل إلى الشارع واستكمال البحث عن والديها، وعلى الرغم من كونها لم تعد تعهد اللهو، فإن العفوية ظلت تلازمها، فراحت تستقل القطار مجدداً على أمل أن يُعاد «شريط» حياتها من جديد، ويُنزلها هذه المرة على المحطة القديمة، حيث والدتها و«فرشة البضاعة»، إلا أن القطار استكمل عبثه معها وراح ينقلها هذه المرة إلى محافظة الأقصر، لتبدأ مرحلة أخرى من حياتها.
تزوجت من رجل كفيف وأنجبا 5 أبناء وجارتها الأقصرية تطوعت للبحث عن أهلها
بعد شهور وسنوات طويلة من البحث والسؤال لم تتمكن «رضا» من الوصول لأهلها، بل أهداها القدر إلى معرفة رجل كفيف طيب، تزوجا ومرت عليهما سنوات طويلة أنجبا خلالها 5 أبناء، وكانت شاهدة على تغير كل شىء فى حياتها عدا حلم العودة لأهلها، الذى بدأت تُغزل أولى حلقاته برواية قصتها لإحدى جيرانها فطمأنتها وأخبرتها بأنها ستعرض قصتها وصورتها على إحدى صفحات موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»؛ كون ذلك سيساعد فى الوصول لأهلها. لم تمر عدة أيام حتى صَدقَ كلام جارتها واكتملت حلقات عقدها الذهبى (حلم العودة للأهل)؛ إذ تعرَّف على صورتها أحد أقاربها، فراح بدوره يركض مهللاً إلى والدتها المسنة التى ترقد على فراشها تنتظر خبر رجوعها، وما هى إلا ساعات حتى تجمعت الأسرة بالكامل والمقربون وسافروا جميعاً إلى الأقصر لإعادة ابنتهم التى فقدوها قبل 45 عاماً غير مصدقين لعبثية القدر ورحمة الله وتدبيره، لتعبر والدتها خلال حديثها لـ«الوطن» عن فرحتها لعودة ابنتها، قائلة: «كان عندى إحساس إنها عايشة وإنها هترجعلى فى يوم من الأيام».
عادت الحاجة رضا عبدالرحيم وأبناؤها مع أسرتها إلى مدينة الفشن بمحافظة بنى سويف ليستقبلها الأقارب والجيران فى أكتوبر الماضى بحفاوة شديدة ويقضوا ساعات طويلة فى الرقص والتهليل وتوزيع المشروبات على المارة احتفالاً بعودتها، وراح جميع رواد الـ«سوشيال ميديا» يتبادلون القصة عبر صفحاتهم الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، مانحين إياها لقب «سيدة الكرنك»، نسبة للسنوات الطويلة التى قضتها بالأقصر بعيدة عن أسرتها.