تسويق القوانين.. الأحوال الشخصية
- الأكاديمية العربية
- دول العالم
- عضو هيئة تدريس
- وزراء النقل العرب
- اجتماع
- اعتماد
- الأكاديمية العربية
- دول العالم
- عضو هيئة تدريس
- وزراء النقل العرب
- اجتماع
- اعتماد
انشغل الرأى العام المصرى مؤخراً بالجدل الدائر حول مشروع قانون الأحوال الشخصية، إذ ثار لغط كبير حول إلزام الراغبين فى الزواج بدفع رسم معين، ادعى البعض أن مقداره ثلاثون ألف جنيه. كذلك ثار اللغط حول اشتراط موافقة القاضى على إبرام الزواج.
وكما جرت العادة فى العديد من القضايا الجادة، استخدم البعض أسلوب السخرية والتهكم فى انتقاد مشروع القانون. وأغلب الظن أن معظم المنتقدين لم يطلعوا عليه ولم يتسنَّ لهم بذلك الإلمام بما تضمنه من أحكام.
ومع ذلك، لم تنأ بعض النخبة بنفسها عن الانزلاق إلى مستنقع هذا الجدل وإبداء الرأى بدون علم أو توافر معلومات كافية لديهم. وشارك أحد رؤساء الأندية الرياضية الكبيرة فى الجدل الدائر، موجهاً انتقاده إلى مشروع القانون، حيث ظهر فى تسجيل مصور (فيديو)، مستخدماً أسلوباً ساخراً فى نقد الحكم الخاص بسداد رسم معين لإبرام عقد الزواج.
وقد تزامن هذا الجدل مع قيام أحد الأشخاص، ويُدعى «ياسر القرشى»، بتوجيه نداء إلى الشباب بسرعة الزواج، حيث نشر على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى شائعة، مفادها أن قانون الأحوال الشخصية الجديد سوف يفرض مبلغ ثلاثين ألف جنيه رسوماً على كل شخص راغب فى الزواج، ومن ثم، ولتفادى تطبيق هذه الرسوم عليهم، يكون من الضرورى بالنسبة لهم سرعة إبرام عقود الزواج.
وبالنظر لأن المذكور قد ادعى كذباً أنه مأذون شرعى، وحال كونه غير مأذون له بإبرام عقود الزواج، ولا يتمتع بالتالى بصفة المأذون الشرعى، فقد استدعى الأمر القبض عليه وإحالته إلى المحاكمة الجنائية، لمعاقبته عما نُسب إليه من تدخله فى أعمال وظيفة بادعائه العمل مأذوناً شرعياً من غير أن تكون له هذه الصفة، وإجرائه أعمالاً من مقتضيات تلك الوظيفة بمباشرته بصفته المزعومة مأذوناً شرعياً - على خلاف الحقيقة - تحرير عقود زواج وشهادات طلاق، فضلاً عن نشره بسوء قصد أخباراً وإشاعات كاذبة عبر حسابه بأحد مواقع التواصل الاجتماعى ادعى فيها فرض رسوم على المقبلين على الزواج إعمالاً لنصوص مشروع قانون الأحوال الشخصية المزمع إصداره، وكان من شأن ذلك تكدير الأمن والسلم العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
ورداً على الجدل الدائر فى هذا الشأن، وفى يوم الخميس الموافق التاسع والعشرين من ديسمبر 2022م، وفى مداخلة هاتفية مع برنامج «حقائق وأسرار»، الذى يقدمه الإعلامى مصطفى بكرى على قناة صدى البلد، قال المستشار عمر مروان، وزير العدل، إن مشروع قانون الأحوال الشخصية يتضمن نقاطاً وأحكاماً جديدة لم تكن موجودة فى القانون السالف، مشيراً إلى أن القانون يستهدف دعم الأسرة المصرية.
وأضاف وزير العدل أن التحاليل قبل الزواج مهمة، كى يدخل الطرفان الحياة الجديدة على نور، نفترض أن أحد الطرفين عقيم، فى هذه الحالة كل طرف يحدد رأيه ويختار مصيره، يقبلان ظروف بعضهما أو لا يقبلان هما أحرار بدلاً من الزواج والدخول فى مشكلات بعد الزفاف.وأردف وزير العدل أن إجراء التحاليل قبل الزواج فى القانون الحالى إجبارى، لكننا سنحوّله من الوضع الصورى إلى الحقيقى، مع التشديد على سرية نتائج التحاليل.
وأشار الوزير إلى أنه فى حالة وجود نتائج سلبية للتحاليل الطبية، كالعقم على سبيل المثال، لا يوجد إجبار بعدم إتمام الزواج، لكن الأمر يكون اختياريّاً وفقاً لرغبة الزوجين، مضيفاً أن قيمة التحاليل الطبية ستكون مبالغ زهيدة للغاية. وفيما يتعلق برسوم صندوق الزواج، أكد الوزير أنها لم تُحدد بعد، وستكون بسيطة جداً، ولن تكون عائقاً أمام أى مستوى اجتماعى، ويوجد علماء يدرسون كافة الحالات لتحديد كل ما يتعلق بالزواج بدقة.
وأشار وزير العدل إلى أن صندوق الأسرة يستهدف مساعدة الأسرة فى الحالات الحرجة التى قد تواجهها بشكل مفاجئ، مثل عدم التزام الطرف الملتزم بالنفقة بواجباته، فالصندوق هدفه هنا المحافظة على الأسرة. واستطرد وزير العدل، قائلاً: نعد مشروعاً كاملاً للأحوال الشخصية. وبالنسبة لتوثيق الطلاق، لا يوجد أى شىء مناقض للشريعة، نحن ننظم الطلاق، كى يتم بطريقة رسمية كالزواج، معلقاً: توثيق الطلاق تنظيم، وليس منعاً، والأزهر والإفتاء والأوقاف وافقوا على التوثيق.
ولفت وزير العدل إلى أن القانون الجديد يقيّد الزواج العرفى، كونه لن يتيح أى إمكانية لإثبات أى شىء سوى النسب فقط. وأشار وزير العدل إلى أن قانون الأحوال الشخصية سيحال إلى حوار مجتمعى قبل البرلمان، مشدداً على أن القانون مبنى على أسس علمية، وسيُرضى معظم الناس.
وحول الشائعات التى ترددت الفترة الماضية حول وصول رسوم الزواج إلى 20 ألف جنيه، قال وزير العدل إن من روّج هذه الشائعات ليس مأذوناً، بل شخص كان يسمى نفسه «مساعد مأذون»، كان يحصل على وثائق الزواج من أحد المأذونين، حيث تم إيقاف المأذون، وإحالة هذا المساعد إلى النيابة. وأضاف وزير العدل: أقول للمواطنين يجب أن تكون هناك ثقة بالمسئولين، لا يوجد شىء يتم عمله إلا لمصلحة الناس، والطرف المناوئ يبث سموماً.
لا تنصاعوا لأى آراء غير صحيحة أو شائعات. الدولة صادقة وتسير فى الاتجاه الصحيح، وتعمل لمصلحتكم أنتم فقط.كذلك، وبمناسبة الجدل الدائر حول الموضوع، وفى برنامج تليفزيونى على قناة (DMC)، يبدو أن الشيخ خالد الجندى قد أرد الدفاع عن مشروع القانون، قائلاً: «بهدوء، ولأجل أن نفهم المسألة. انت ومراتك علاقتكم الأول كانت خاصة، إنما بعد عقد الزواج الذى حضر فيه المأذون حضرت الدولة.
فكما أنه يوجد ق. م وب. م (قبل الميلاد وبعد الميلاد) وكما يوجد ق. هـ وب. هـ (قبل الهجرة وبعد الهجرة)، لازم يوجد أيضاً ق. د وب. د (قبل الدولة وبعد الدولة)». وتدخل الضيف الآخر فى الحديث، مستوضحاً كلام الشيخ الجندى، قائلاً: «يعنى الدولة والدى الذى يدافع عنى؟ الحضن الذى يحتضننى؟». وهنا تدخل الشيخ خالد الجندى، موجهاً حديثه للشيخ رمضان عبدالمعز، قائلاً: «عشان كده لا تستطيع أن تتعامل مع مراتك بالإرادة المنفردة زى زمان يا شيخ رمضان». انت متزوجها برعاية الدولة. أصبحت الدولة شريكة. أصبحتم ثلاثة أطراف.
وتعليقاً على هذا الحوار التليفزيونى، وفى الحادى والثلاثين من ديسمبر الماضى، وفى منشور على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، قال الأستاذ الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الرى الأسبق: «حوار غير طيب (فى رأيى الشخصى) حول تعديل قانون رسوم عقد الزواج، حيث تم إجراؤه وإدارته بطريقة غريبة ومناقشته كقانون لتأميم الزواج. محتاجين بجد تطوير الإعلام والمادة الإعلامية كما نحتاج لتطوير الاقتصاد والبنية التحتية، فالأزمة التى نعيشها ليست أزمة اقتصادية أو سياسية أو إعلامية بقدر كونها أزمة اختيار المسئولين القادرين على إدارة الحوار الفعال مع الشعب فى مختلف قضايانا، واختيار السياسات الأفضل للمجتمع.
نحتاج حسن اختيار المسئولين والقادرين على الحلول وجمع الحكومة والمواطنين على قلب رجل واحد، بحيث نستطيع اجتياز كل الأزمات بقوة. نرجو من الله التوفيق والسداد».والواقع أن هذا الموضوع يشكل دليلاً إضافياً على أهمية تسويق السياسات وتسويق القوانين منظوراً إليها باعتبارها أداة تقنين السياسات الحكومية. وكم كنا نتمنى أن يكون حديث وزير العدل حول مشروع القانون سابقاً على الجدل الذى ثار حوله، وأن يقوم معالى الوزير بعقد مؤتمر صحفى لإلقاء الضوء على فلسفة القانون وأبرز الأحكام المستحدثة الواردة فيه والهدف من وراء كل حكم منها.
وفيما يتعلق بالحديث الدائر حول فرض رسم ثلاثين ألف جنيه على كل عقد من عقود الزواج، نود التأكيد على أن هذا المبلغ لا أساس له، ولا ندرى من أين أتى منتقدو مشروع القانون بهذا الرقم المبالغ فيه إلى حد كبير؟! ولبيان حقيقة الأمر، يبدو من الضرورى الإشارة إلى المادة الخامسة من مشروع قانون إصدار قانون الأحوال الشخصية، بنصها على أن «يحل صندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية المنشأ وفقاً لأحكام القانون المرافق محل صندوق نظام تأمين الأسرة المنشأ بالقانون رقم 11 لسنة 2004 فى جميع الاختصاصات المنصوص عليها فى قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000، وتؤول إليه كافة الحقوق، ويلتزم بجميع الالتزامات، ويُنقل العاملون فيه بذات الأوضاع الوظيفية والمزايا المالية المقررة لهم فى تاريخ النقل. وتُستبدل عبارة (صندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية) بعبارة (صندوق نظام تأمين الأسرة) أينما وردت فى القوانين والقرارات الأخرى».
وهكذا، فإن فكرة إنشاء صندوق لدعم ورعاية الأسرة المصرية ليست فكرة مستحدثة، حيث تم إنشاء صندوق نظام تأمين الأسرة بموجب القانون رقم 11 لسنة 2004م. ولكن، يبدو أن هذا الصندوق لم يجد نصيبه من التطبيق، وبحيث بقيت النصوص الخاصة به حبراً على ورق. وكعادته فى حل المشكلات، بعيداً عن نظام المسكنات وتأجيل مواجهة المشكلات المتراكمة، عمدت القيادة الحالية إلى إحياء وتطبيق الفكرة على أرض الواقع، وبحيث يتم تمويل الصندوق من خلال إلزام كل راغب فى الزواج بدفع مبلغ من المال لصالح الصندوق كشرط للموافقة على إبرام الزواج وتوثيقه رسمياً.
أما فيما يتعلق بالفحص الطبى قبل الزواج، فليس أمراً مستحدثاً، وإنما ورد النص عليه فى المادة الحادية والثلاثين مكرراً من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994م، بنصها على أنه «لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة. ويُشترط للتوثيق أن يتم الفحص الطبى للراغبين فى الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض التى تؤثر على حياة أو صحة كل منهما أو على صحة نسلهما، وإعلامهما بنتيجة هذا الفحص، ويصدر بتحديد تلك الأمراض وإجراءات الفحص وأنواعه والجهات المرخص لها به قرار من وزير الصحة بالاتفاق مع وزير العدل. ويعاقب تأديبياً كل من وثَّق زواجاً بالمخالفة لأحكام هذه المادة».
ولكن، وعلى أرض الواقع، تحول الفحص الطبى قبل الزواج إلى إجراء صورى، لا يتم بشكل فعلى فى معظم الحالات، وبحيث يتم اللجوء إلى الحصول على شهادات غير حقيقية تفيد الخلو من الأمراض المعدية والوراثية، الأمر الذى أدى إلى حدوث العديد من الوقائع المفجعة، حيث حدث فى العديد من الزيجات أن نقل بعض الأزواج فيروس الإيدز إلى زوجاتهم. ومن ثم، فقد عمد واضعو مشروع القانون إلى تقنين الآليات اللازمة لكفالة وضع هذا الحكم موضع التطبيق.
وأخيراً، واتصالاً بموضوع تسويق القوانين، وفيما يتعلق بمسمى القانون الذى نحن بصدده، فقد أبقى المشروع على مسمى «قانون الأحوال الشخصية»، وذلك على الرغم من أن المجلس القومى للمرأة كان قد عبّر عن استحسانه مسمى «قانون الأسرة».
وفى اعتقادنا أن استخدام مسمى «قانون الأسرة السعيدة» كمسمى للقانون قد يكون أمراً محموداً ويتسق مع الاتجاه الحديث فى التشريع، والذى يميل إلى استخدام مسميات غير تقليدية. والله من وراء القصد.