د. علي جمعة يكتب: سيدنا عيسى رمز السلام

د. علي جمعة يكتب: سيدنا عيسى رمز السلام
- الميلاد المجيد
- المسيح عليه السلام
- هيئة كبار العلماء
- مجلس النواب
- الميلاد المجيد
- المسيح عليه السلام
- هيئة كبار العلماء
- مجلس النواب
قال تعالى وهو يتكلم عن سيدنا عيسى ابن مريم «وَالسَّلامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً» فسيدنا عيسى كان يوم مولده -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- يوم سلام، استبشاراً بكلمة الله، وكان مُبرأً من كل عيب ونقص وشين، لم يفعل شيئاً فى حياته إلا وقد رضى الله عنه. والإيمان به ركن من أركان الإيمان، فلا يكمل إيمان المسلم إلا بالإيمان به شأنه فى ذلك شأن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وسائر الأنبياء.
فنرى حجة الإسلام الإمام الغزالى فى كتابه «إحياء علوم الدين» يكثر من ذكر عيسى، ومن ذكر قصصه، وأخلاقه، ومواقفه، بروايات هى من روايات المسلمين، فيُعلى من شأنه، ويتعلم منه. ومن ذلك، أن عيسى عليه السلام رأى رجلاً، فقال ما تصنع؟، قال أتعبد، قال من يعولك؟، قال أخى قال أخوك أعبد منك، وروى أن الله تعالى أوحى إلى عيسى، صلى الله عليه وسلم، عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحِ منى.
عندما جاء السيد المسيح، عليه السلام، عنون عما جاء به وجعل عمود الخيمة أو ذروة سنامها المحبة، فقال: «الله محبة». ومدخل الحب مدخل معتبر وبه تقوم الأشياء وتعمر الدنيا وتستقيم النفس ولكن قليل من الناس من يصدق أن المحبة مدخل الخلاص، وأن فيها رضا الله، وأن المحبة هذه لعمارة الدنيا.
ولما جاء الإسلام جعل عمود الأخلاق وذروة سنامها الرحمة، وهناك انبثاق من المحبة للأخلاق، لكن هناك انبثاق من الرحمة، فينبثق منها المحبة والتواضع والثقة بالله وينبثق منها لين الكلام والخلق الحسن «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ».
وكان عليه السلام مضرب المثال فى الصدق، فامتدح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذين بلغوا فى الصدق مبلغاً من أصحابه، فعن أبى ذر قال، قال لى رسول الله: «ما تقل الغبراء ولا تظل الخضراء على ذى لهجة أصدق وأوفى من أبى ذر شبيه عيسى بن مريم». وكان نموذجاً فى العفو والصفح والتسامح، فمما ورد عنه قوله «من ضربك على خدك فأعرض له الآخر، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك».
سيدنا عيسى معجزة معجزات الله حملته أمه بميلاد غير بشرى، أى من غير زواج ولا أب، بل أرسل الله تعالى إلى السيدة مريم الطاهرة الصديقة فحملت بعد أن نفخ فيها، فلما وضعته حملته إلى قومها، فقال لهم وهو فى المهد «قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا ** وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ** وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا ** وَالسَّلَامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا».
ومن هنا نقف عند قوله «وَالسَّلَامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ» وهذا معناه أن اليوم الذى وُلد فيه مكتوب يوم سلام، وجعل هذا اليوم من أيام الله، والله تعالى قال «وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ» ونحن فى عقيدتنا أن سيدنا عيسى رُفع إلى السماء وسينزل آخر الزمان وعندنا أحاديث كثيرة فى الصحاح تخبر بهذا وأكثر من أربعين صحابياً سمعوا النبى -صلى الله عليه وسلم- وهو يعظم سيدنا عيسى فى أكثر من موضع وأكثر من موطن، بل إنه عندما رجع مرة من سفر فدخل المدينة فوجد اليهود يصومون ذلك اليوم، فقال أى يوم هذا؟ فقالوا هذا يوم نجا الله فيه موسى بن عمران من فرعون وبطشه، فقال النبى أنا أولى بموسى منهم، وصامه وحضّ الناس على صيامه، فهذه حقائق أوضح من الواضحات وأجلى من البينات وأوصانا النبى على أهل الذمة والتعامل معهم ورهّب النبى من ظلمهم أو التضييق عليهم.