وحيد حامد.. «نحن أيضا أحببنا أيامك»

وحيد حامد.. «نحن أيضا أحببنا أيامك»
"لم أذهب إلى معهد السينما، ولم يعلمني أحد كتابة السيناريو، لكن بمجهود ذاتي قررت أن أعرف كيف أدخل إلى هذا العالم"، هكذا تحدث بنفسه عن نفسه، واصفًا لحظة البداية الأولى التي قادته بعد ذلك ليصبح أحد أهم صُناع السينما والدراما في مصر.
بدأ رحلته بكتابة القصة القصيرة، "القمر يتقل عاشقه" كان عنوان قصته الأولى التي صدرت عن الهيئة العامة للكتاب وعمره 20 عامًا، لكن اللقاء الذي جمعه بشيخ القصة القصيرة الأديب يوسف إدريس في أحد مطاعم القاهرة، قد أخذه إلى مسار آخر، هو مسار تميزه وإبداعه.
يحكي في كتاب "أول الحكاية" عن اللقاء الذي شكّل نقطة فارقة في حياته، قائلاً: "في إحدى المرات قابلت يوسف إدريس في مطعم، قبلها كنت قد أرسلت له المجموعة لكي يقرأها، وكان من الواضح أنها لم تعجبه، وقال لي ونحن جالسين: بص وراك، وسألني بعدها: شايف إيه؟.. فنظرت خلفي وقلت له: تلفزيون. فقال لي وهو يلوح بيده على التلفزيون: مكانك هنا".
أخذ كاتب القصة الشاب بنصحية الأستاذ، واتجه إلى عالم السينما والتليفزيون وهو يحمل في ذكراته مئات الروايات والقصص والأفلام التي شاهدها في صباه داخل مركز منيا القمح بالشرقية، "بالفعل بعدها روحت التلفزيون ودخلت المبني والإذاعة، وبعد تنفيذ نصيحته أدركت أن الله خلق البشر مختلفين، كل واحد لديه منطقة ينجح فيها، لا يوجد أبداً شخص مثل الآخر".
تذكرة قطار من الزقازيق إلى القاهرة ثمنها 17 قرشاً، بدأ بعدها رحلة من الإبداع، نصًا وراء نص، وسيناريو تلو الآخر، أخذ اسم وحيد حامد يلمع. الطفل الصغير الذي كان يقطع تذاكر بـ"3 صاغ"، كما قال هو، في سينمات سلمى، ومصر، وأمير، والوطنية، بالزقازيق، أصبح الآن أحد أبرز مؤلفي الأفلام، يكتب جملة يصفها بـ"الرصاصة" تستقر في وجدان المشاهد، عباراته على ألسنة أبطال أفلامه صارت لا تُنسى.
طقوس وحيد حامد في الكتابة لم تكن كثيرة، يكفيه قليل من الهدوء في مكان مفتوح، وهو يتابع حركة مياه النيل أمامه، ثم تنسدل أفكاره في شكل مشاهد وجمل حوارية، طاولته الشهيرة على ضفاف النيل بأحد فنادق القاهرة التي أعتاد الجلوس عليها، ليكتب أحيانًا، ويستقبل زوّاره أحيانًا، كانت تعيد له جزءًا من البيئة التي نشأ وترى فيها، "لا أجيد الكتابة إلا في الأماكن العامة، وهي عادة شخصية، أنا تربية فلاحين، كنت أستيقظ في الخلاء الواسع، أنظر للمياه وفرع النيل الذي كان يمر أمام قريتنا".
أكثر من أربعين عامًا قضاها في الكتابة، حالة عشق جمعته بالورق الأبيض الذي تحوّل معه إلى أفلام ومسلسلات عصيّة على النسيان، إلى أن جاء اليوم الذي انتهت فيه الرحلة في الثاني من يناير، قبل عامين، بعد تكريم آخير أنهاه بعبارة جسدت رحلته، وكأنها عبارة وداع آخيرة أراد لها ألا تُنسى أيضًا، حين قال والدموع بين محبيه وهم يملأون القاعة بالتصفيق والبكاء: "أنا حبيت أيامي".