تفنيد اتهامات في حق الشيخ مصطفى إسماعيل

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

احتفاء مستحق للقارئ الكبير الشيخ مصطفى إسماعيل، بمناسبة ذكراه، حيث ولد عام 1905م، بقرية ميت غزال، مركز السَّنطة، الغربية، وبعد صحبةٍ صادقةٍ مع كتاب الله جاء نعيه فى 26 من ديسمبر 1978م، وهو واحد من أعظم قُراء العصر الحديث، نزل القاهرة وفيها الطبقة الأولى من القراء: محمد رفعت والشعشاعى ومحمد الصيفى (والد المخرج السينمائى حسن الصيفى)، ومحمد سلامة، والطبقة الثانية: عبدالعظيم زاهر، وعلى حُزيِّن، ويوسف البهتيمى، فأتى الشيخ مصطفى بأفانين النغم، ومقامات لم يُسبق إليها، ومع ذلك قوبل بهجوم كاسح، وحسده الحاسدون، واتهموه اتهامات تناولها بتوسع الراحل الدكتور محمود الطناحى.

ومن هذه التهم أنه يتساهل فى قواعد التلاوة، وهذه فرية كبرى، فالشيخ ملتزم بقواعد التلاوة، وأشاد به اثنان من حراس كتاب الله هما: الشيخ عبدالفتاح ماضى، والشيخ عامر عثمان، الذى قال إن الشيخ على الجادة، فلا تصدقوا فيه هذا الكلام.

ومنها: أنه لا يلتزم بالوقوف المنصوص عليه، وهذا غير صحيح، نعم هو وقف على قوله تعالى (رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) من سورة يوسف، وليس هذا موضع موقف، ولكنه حين وصل بعد ذلك تلا الجملة السابقة، بل كان الشيخ مصطفى أكثر تحرياً للوقوف من الشيخ محمد رفعت -هكذا يقول الدكتور الطناحى-، فالشيخ رفعت يقف على قوله تعالى فى سورة الكهف (فانطلقا)، وليس موضع وقف، ويقف على (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) ثم يستأنف (يَا مُوسَى)، وليس موضع وقف.

وما أخذوه على الشيخ مصطفى أيضاً أنه يكثر من اختلاف القراءات لإثارة مكامن الطرب عند المستمع، وليس هو وحده الذى يفعل ذلك، فقد كان يفعل ذلك الشيخ محمد رفعت، والشيخ محمد الصيفى، والجمع بين الروايات فى القراءة الواحدة مكروه عند البعض، لكنه جائز عند بعض آخر، على أن الحق يقتضى القول إن الشيخ مصطفى قرأ مرة (نُسْوَةٌ) بضم النون، وهى قراءة شاذة، والقراءة المتواترة بالكسر.

ومما اتهموه به أنه يقرأ سوراً بعينها، مثل هؤلاء الذين لا يجيدون القراءة إلا من سورة يوسف والكهف ومريم، لأنها سور سهلة مقاطعُها، ومتماثلة فواصلُها، وقصيرة آياتُها، بخلاف سورة مثل النساء، والحق أن هذا افتراء على الشيخ مصطفى، فالرجل كان يقرأ من القرآن كله، وتسجيلاته موجودة منشورة.

وما تميز به الشيخ أنه كان (يخالف) قُرَّاء زمانه الذين يخفضون الصوت عند آيات الإنذار، واستمع إليه فى تسجيل نادر لسورة آل عمران وهو يتلو (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، فهو يرفع صوته عالياً فى (ذَائِقَةُ) ثم يقف على الموتْ، بنفس الطبقة العالية فى صراخ مزلزل، كأنه صراخ ثكالى فقدن عزيزاً، أو تذكرن غائباً، وتكاد التاء المهموسة فى كلمة (الموت) حين يصرخ تنقلب إلى حرف مهجور يكاد يخرق صماغ الأذن، ثم تذكر وقفه على الهاء فى قوله فى سورة يوسف (رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) وقفاً مضيئاً ساطعاً يجسد لك انبهار النسوة ودهشتهن لجمال يوسف -عليه السلام-.

إن الشيخ مصطفى وطبقته من سلاطين القراء أمثال: عبدالباسط والشعشاعى ورفعت والبنا والحصرى والمنشاوى وعبدالحكم كانوا يمثلون الهوية المصرية، ويعبرون عنها بحناجرهم وهم يتلون كتاب الله، فحفظ الله بهم كتابه.. رحم الله الشيخ مصطفى، ورحم الله الدكتور الطناحى الذى أفرد دراسة كبيرة لتفنيد هذه الاتهامات يمكن الرجوع إليها كاملة فى مجلة الهلال، يوليه 1992م.