لعبة الاسكواش.. اخترعها السجناء واستولى عليها الأثرياء

يذكر المؤرخون أن ممارسة لعبة الأسكواش (Squash) قد بدأت من أحد السجون بإنجلترا.

وربما ذلك هو الذى يفسر التشابه الكبير بين ملاعب الأسكواش وزنزانة السجن.

فالجدران الأربعة والملعب المكون على شكل غرفة زجاجية يشبه إلى حد كبير غرفة الزنزانة فى السجون.

وفى بادئ الأمر، كانت ممارسة هذه الرياضة تتم من خلال لعب الكرة بالأيدى وباستخدام كرة مطاطية.

ولا يُعرف نوعية السجناء الذين ابتكروا هذه اللعبة، وما إذا كانوا من مرتكبى جرائم العنف أم من مرتكبى جرائم الأموال أم من مرتكبى الجرائم الجنسية أم من غيرهم.

ومع ذلك، يبدو مستساغاً الاعتقاد بأن مخترعى هذه اللعبة هم من المجرمين الذين يتسمون بالنشاط والقوة البدنية، وهو ما يتوافر بوجه أساسى فى مرتكبى جرائم العنف بشكل أكبر من غيرهم.

كذلك، لا يعرف مصير السجناء الذين مارسوا هذه اللعبة داخل السجون، وما إذا كان ذلك قد أسهم فى تأهيلهم وإعادة إدماجهم فى المجتمع بشكل أفضل من غيرهم.

وعلى كل حال، وأياً كان الأمر فى هذا الشأن، فإن لعبة الأسكواش خرجت بعد ذلك من أسوار السجون إلى العالم الحر، حيث عرفت هذه اللعبة أولاً فى العاصمة البريطانية لندن، فى منتصف القرن الثامن عشر، وكانت تلعب بمضارب الراكيت.

وفى وقت لاحق، وحوالى عام 1830م، بدأ الأولاد فى مدرسة «هارو» ممارسة اللعبة، حيث لاحظوا أن الكرة المثقوبة، التى يتم سحقها عند الاصطدام بالجدار، توفر المزيد من التنوع فى اللعبة.

وقد انتشرت اللعبة بعد ذلك وانتقلت ممارستها إلى مدارس أخرى. وكانت الملاعب الأولى التى بنيت فى «هارو» خطرة، حيث كانت بالقرب من أنابيب المياه والدعامات والمداخن والحواف.

وكان المطاط الطبيعى هو المادة المفضلة للكرة.

وقد قام الطلاب بتعديل مضاربهم للحصول على وصول أصغر وتحسين قدرتهم على اللعب فى هذه الظروف الضيقة.

وفى عام 1864م، قامت مدرسة «هارو» ببناء أربع ساحات خارجية.

ويرجع تاريخ بناء أول ملعب للأسكواش فى المملكة المتحدة إلى سنة 1865م.

وإذا كانت ممارسة اللعبة فى البداية قد اقتصرت على السجناء، ثم انتقلت منهم بعد ذلك إلى طلاب المدارس، فإن هذه الرياضة انتشرت بسرعة فى أنحاء البلاد، وظهرت كلعبة مستقلة بذاتها فى عام 1890م.

وليس معروفاً حتى الآن كيف خرج سر هذه اللعبة خارج الأسوار، وليس معلوماً كذلك الكيفية التى تم من خلالها وصول اللعبة إلى مدرسة «هارو»، ولا كيف أخذ الطلبة يلعبونها ويطورونها، بحيث استعملوا المضرب بدلاً من اليد.

ولا أحد يعرف لماذا حافظوا على شكل الملعب الضيق المحصور بين جدران أربعة. وفى القرن العشرين، ازدادت شعبية اللعبة مع العديد من المدارس والنوادى والأفراد الذين قاموا ببناء ملاعب أسكواش، ولكن دون أبعاد محددة.

ولم تبق اللعبة طويلاً داخل حدود الجزيرة البريطانية، حيث امتدت ممارستها إلى بلاد أخرى، حيث انتقلت إلى الشاطئ الآخر من بحر المانش، حيث الجمهورية الفرنسية، وانتقلت كذلك إلى الشاطئ الآخر، عبر مياه المحيط الأطلسى، حيث الولايات المتحدة الأمريكية.

وكان أول ملعب أسكواش فى أمريكا الشمالية فى مدرسة سانت بول فى كونكورد، نيو هامبشاير، فى عام 1884م. وفى سنة 1904م، تم إنشاء أول ملعب للأسكواش فى فيلادلفيا، بنسلفانيا.

وفى العام 1920م، بدأت لعبة الأسكواش فى الانتشار فى العديد من المستعمرات البريطانية آنذاك، حيث دخلت إلى مصر وشبه الجزيرة الهندية، وهى اليوم تلقى رواجاً كبيراً فى معظم دول العالم.

وفى الوقت الحالى، تذكر الإحصائيات أن نحو عشرين مليون إنسان موزعين على مائة وخمس وثمانين دولة عبر العالم يمارسون رياضة الأسكواش بانتظام.

ويوجد اتحاد دولى للعبة (World Squash Federation)، معترف به من اللجنة الأولمبية الدولية، ومع ذلك فإن اللعبة ليست مدرجة ضمن الألعاب الأولمبية.

وهكذا، ترجع نشأة رياضة الأسكواش إلى أحد السجناء الإنجليز.

ولكن، وبالنظر إلى ممارسى اللعبة فى الوقت الحالى، نجد أنهم من طبقة الأثرياء، حيث لا تعرف الطبقات الفقيرة هذه اللعبة.

ومن هنا، يمكن القول إن لعبة الأسكواش قد ابتدعها السجناء واستولى عليها الأثرياء!!! وللتدليل على ذلك، يكفى أن نشير إلى أن عبدالفتاح باشا عمرو، سفير مصر فى لندن فى العقد الثالث من القرن العشرين، قد صنع تاريخ المصريين فى اللعبة بفوزه ببطولة بريطانيا المفتوحة 6 مرات، وذلك فى الفترة من 1930 إلى 1936م.

وكان نادى الجزيرة، وهو أحد الأندية الأرستقراطية، هو أول الأندية المصرية التى دخلتها اللعبة.

وكان معروفاً عن الرئيس المصرى الأسبق، محمد حسنى مبارك، أنه رجل رياضى يستيقظ فى السادسة صباحاً، ويمارس رياضة الأسكواش. ومع شغف الرئيس الأسبق بهذه الرياضة، تعاظم اهتمام المؤسسات الرسمية فى الدولة المصرية بهذه اللعبة، ولم يقتصر الأمر على الوزارة والهيئات المعنية بالشباب والرياضة، وإنما امتد إلى غيرها من المؤسسات.

فعلى سبيل المثال، قامت مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر والتوزيع برعاية وتنظيم بطولة الأهرام الدولية للأسكواش. ويذكر هنا أن رئيس الوزراء السابق، شريف إسماعيل، كان ممارساً للأسكواش فى نادى الجزيرة.

وقد شاءت الصدفة أن يدخل الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك السجن بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، بما يعزز الارتباط الذهنى بين هذه الرياضة وزنزانة السجون.

وعلى حد علمنا، فإن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك هو أول رئيس مصرى تتم محاكمته ويجلس خلف الأسوار. ورغم الارتباط بين لعبة الأسكواش والسجون، على النحو سالف الذكر، يمكن القول إن السجون فى عالمنا العربى لا تعرف هذه الرياضة.

والواقع أن هذه الرياضة يمكن أن تلعب دوراً مهماً فى عملية تأهيل المسجونين وإعادة إدماجهم أشخاصاً صالحين فى المجتمع.

إذ تعتبر ممارسة الأنشطة الرياضية أحد أهم العناصر الرئيسية لشغل أوقات الفراغ، حيث يتم من خلالها توجيه طاقات السجناء إلى محاسن الأخلاق، الأمر الذى يستوجب تدعيم جميع السجون بالأدوات والملابس الرياضية، وتجهيز الملاعب، وإجراء مباريات عديدة فى مختلف الألعاب الرياضية.

ورغم أهمية الرياضة بالنسبة للمسجونين، فإن مؤلفات علم العقاب تكاد تخلو من الإشارة إلى هذه الوسيلة المهمة فى تأهيل المجرمين المحكوم عليهم، وإعادة إدماجهم مواطنين صالحين فى المجتمع.

وبالاطلاع على مؤلفات علم العقاب، نجدها تشير على استحياء إلى التمرينات البدينة، ناظرة إليها باعتبارها إحدى الاحتياطات الصحية للحفاظ على صحة المسجونين.

فعلى حد قول أحد الفقهاء: «ينبغى الاعتراف للمحكوم عليهم بحق فى نزهة يومية فى مكان بالمؤسسة مفتوح للهواء الطلق، ولهذه النزهة أهميتها فى صيانة الصحة بتقريب المحكوم عليه من الظروف الطبيعية للحياة، وتتضح هذه الأهمية بصفة خاصة إذا كان المحكوم عليه يعمل عادة فى مكان مغلق.

ويتصل بذلك تنظيم تمرينات للرياضة البدنية، والأهمية الصحية لهذه التمرينات فى غنى عن البيان.

ويقتضى ذلك أن تتضمن المؤسسة الأماكن الصالحة للنزهة والتمرينات، وأن يعين مدرب لتوجيه المحكوم عليهم أثناء مباشرتها والإشراف عليهم، وينبغى أن يكون للطبيب إشراف عليها، فيقرر منع الضعاف والمرضى من مباشرة التمرينات التى لا تتفق مع حالتهم الصحية؛ ويتعين أن يحدد لها وقت معلوم أثناء النهار، وتجرى النظم العقابية على تحديد هذا الوقت بحيث يعقب انتهاء العمل، ويمتد فى العادة خلال ساعة كاملة، وإن جاز إنقاصه إلى نصف ساعة على سبيل الجزاء التأديبى.

وتثير التمرينات البدنية مسألة ما إذا كانت تتخذ طابع الإلزام أم تعتبر اختيارية للمحكوم عليهم: تجرى النظم العقابية عادة على جعلها إجبارية بالنسبة للمحكوم عليهم الشبان واختيارية بالنسبة لمن عداهم. ولم يعد فى الوقت الحاضر محل لحظر التحدث فيما بين المحكوم عليهم أثناء فترة النزهة؛ ذلك أن ما تتضمنه النظم العقابية الحديثة من أساليب تهذيب وتأهيل يكفل تفادى الآثار السيئة للحديث.

وقد نصت القاعدة 21 من مجموعة قواعد الحد الأدنى على المبادئ السابقة، وقررت الطابع الإلزامى للتمرينات البدنية بالنسبة للمحكوم عليهم الشبان ومن تسمح لهم أعمارهم وظروفهم البدنية بمباشرتها، ونصت عليها كذلك المواد 360 - 363 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسى: فجعلت مدة النزهة ساعة ثم أنقصتها إلى نصف ساعة لمن يخضعون للحبس الانفرادى، ونصت على خضوع مباشرة التمرينات الرياضية لرقابة طبيب المؤسسة الذى يتعين أن يكون على اتصال فى هذا الشأن بالإدارات المختصة فى وزارة التعليم، وجعلها إجبارية بالنسبة لمن تقل أعمارهم عن الثلاثين، وأجازت لمدير المؤسسة أن يقرر حرمان بعض المحكوم عليهم من مباشرتها كإجراء يقتضيه الأمن والنظام فى المؤسسة، ونصت عليها كذلك القاعدة 27 من مجموعة قواعد السجون الإنجليزية» (راجع: د. محمود نجيب حسنى، علم العقاب، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1973م، رقم 362، ص 393 وما بعدها).