طفلة الشرقية العفيفة
منذ زفة الطفلة «الشريفة العفيفة» محمولة على الأعناق ومحاطة برجال الحى والأحياء المجاورة وهى ممسكة بدليل العفة والشرف والنقاء والطهارة ملوحة به فى هواء القرية بينما أحدهم يصيح فى ميكروفون محمول معلناً نتيجة اختبار الشرف، حيث قطعة القماش ناصعة البياض وتقرير الطب الشرعى يؤكد أن الطفلة شريفة عفيفة، وأن على رجال الحى والأحياء المجاورة والقرية والقرى المجاورة أن يسعدوا ويهنأوا وتقر أعينهم ويناموا مطمئنين، وهذا المشهد مقترن بتاريخ مصر القديم والحديث والمعاصر وما بينهما والمتخم بقوائم من نساء مصر من ملكات ووزيرات وسفيرات وقائدات رأى ونساء معيلات يعلن وحدهن دون ظل راجل أو حتى «حيطة» بيوتهن وأسرهن بمن فيهم من رجال بشنبات.المشهدان بينهما هوة عميقة وأزمنة سحيقة.
وقبل قفز القفازين وهجوم الهجامين، هذه الهوة ليست ناجمة عن المطالبة بإقامة علاقات جنسية مفتوحة أو التهوين من شأن العفة والشرف إلخ، لكنها ناجمة عن فكر يدعى الالتزام والاتزان لكنه فى حقيقة الأمر يهين كل أنثى على وجه المحروسة ويمعن فى تحقيرها عبر ربط شرف رجال الأسرة بقطعة القماش البيضاء فقط.هذا الفكر يحقر من الرجل قبل أن يحقر من المرأة، يصر على قصر مفهوم الشرف بالجنس ولا شىء إلا الجنس.
غرق الأمة فى الجنس أمر لا تخطئه عين أو أذن أو عقل.
ورغم أهمية الجنس كوسيلة للبقاء والتكاثر بالإضافة إلى المتعة والإشباع، إلا أن الجنس الذى تمت إحاطتنا به منذ سبعينات القرن الماضى جنس ماكر شرير.إنه الجنس الذى حول المرأة المصرية إلى قطعة الحلوى ذات السولوفان والرجل إلى الذباب المتربص بها.
وهو الذى جعل منها كومة من الرغبة وتلاً من الإثارة، ووجب دفن الكوم أو وأده لأن منابع الإثارة لدى الرجل والطفل غير قابلة للسيطرة أو التهذيب، مع العلم أن نفس هذا الرجل والشاب والطفل يسيطر تمام السيطرة على هرموناته ويتمكن من تهذيب رغباته ما إن يعبر بشنطة هدومه حدود المحروسة متوجهاً إلى الخليج شرقاً أو أوروبا وأمريكا غرباً.
وبعيداً عن تفاصيل طفلة الشرقية وعذريتها ونوع غشاء بكارتها وفرحة رجال العائلة وعودتها أو عدم عودتها إلى الرجل الذى شهر بها أو بقائها مع والدها الذى جال بها أرجاء القرية ليعلن نهاراً جهاراً أن غشاء بكارتها لم يتم فضه!!! فإن الدروس المستفادة للمهتم كثيرة.
هناك فرق سرعات جبار وفارق زمنى جائر بين ما يعمل من أجل تحقيقه الرئيس السيسى والبعض من المسئولين وبينهم رئيسة المجلس القومى للمرأة المحترمة السيدة مايا مرسى لإخراج المرأة المصرية من كبوة ما لحق بها من نسخة تدين السبعينات المستوردة التى باتت متوطنة كالفيروس، وبين ما يجرى فى ربوع المجتمع وكذلك فى دهاليز وأروقة جهات ومؤسسات تقاوم بشدة ولكن سراً جهود إنقاذ المرأة المصرية واستعادتها إنسانيتها وكرامتها كاملة.
الدرس الثانى هو أن بين أهالينا سواء فى العاصمة أو بعيداً عنها تسرى أفكار فى خط مواز لكل الجهود المبذولة للانتقال بمصر من عصور جماعات الإسلام السياسى الوسطى إلى ما تستحقه مصر لتاريخها وحاضرها وقوتها البشرية المكونة من نساء ورجال لديهم ما يفخرون بها ويعملون من أجله غير الجنس ثم الجنس ثم الجنس.
الدرس الثالث هو أن جماعات الإسلام السياسى لم تبتكر اختزال الأنثى فى منديل عفة واختصار شرف الرجل فى دماء المنديل، لكنها غذته باحتكارها الدين وهيمنتها على كل كبيرة وصغيرة فى حياة الغالبية حتى بتنا لا نعمل أو نأكل أو نركب المترو أو نسافر أو نشرب إلا بإذن مسبق من محتكرى الصكوك.
لذلك فإن صك عفة الطفلة الذى جالت به بين رجال القرية ملون بهذا الفكر.
الدرس الرابع هو أن لا أهل القرية ولا أهل الطفلة ولا أهل الرجل الذى شهر بها ولا الطب الشرعى ولا الشعب الرابض فى منصات التواصل الاجتماعى مطلقاً لقب ديوث على هذا ومعتبراً هذه عاهرة أو فاسقة اهتزت له شعرة لأن «الشريفة العفيفة» التى تم الزج بها فى زيجة عجيبة طفلة.
وهذا يذكرنا بأن القانون شىء، وما يجرى بعيداً عن الأعين شىء آخر، وأن ما يرتكن إليه الكثيرون ما زال يدور فى فتاوى «صلاحية الوطء» ما زال مرجعية.
الدرس الخامس هو أن الطفلة الشريفة العفيفة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. و«أخذ تعهد على والدها بعدم تكرار الواقعة» أشبه بصرف التعويضات لأهالى قتلى حوادث الطرق مع ضمان استمرار العوامل المؤدية إلى وقوع المزيد من الحوادث.
وأخيراً، الطفلة وأهلها ضحايا. هم ضحايا الجهل وهيمنة عادات مؤذية وسيطرة نسخة مشوهة من الدين وهوة فعلية بين القانون والتطبيق ووعى مجتمعى معتل.