مؤتمر نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف
عقدت القمة العربية مؤتمرها الخامس والعشرين بالكويت فى يومى 25 و26 مارس 2014، التى رأس فيها وفد مصر المستشار الجليل عدلى منصور، رئيس الجمهورية آنئذ. دعت مصر فى كلمتها أمام تلك القمة إلى وضع استراتيجية عربية شاملة لمواجهة ظاهرة التطرف التى يعانى منها العالم وخصوصاً العالم العربى.
واستجابة لهذه الدعوة عُقد المؤتمر المنصوص عليه فى المدة من 3 إلى 5 يناير 2015، فى قاعات مكتبة الإسكندرية الجميلة شكلاً وموضوعاً، وبالتنسيق بينها وبين وزارة الخارجية المصرية، وتحت رعاية رئيس الجمهورية «السيد عبدالفتاح السيسى».
حضر المؤتمر، كما جاء فى مقدمة البيان الختامى «ما يربو على مائتين وخمسين مثقفاً من العالم العربى، بشكل عكس تنوعاً عربياً ثرياً سواء فى الانتماءات السياسية والفكرية، أو المعتقدات الدينية».
رأى المؤتمرون، أن التطرف ظاهرة سلبية تجثم على صدر المجتمعات الإنسانية قديماً وحديثاً، ويبرز من بين مظاهرها المختلفة «التطرف الدينى» الذى يقترن بالغلو والتشدد فى الخطاب، وما يرتبط بذلك من لجوء إلى العنف ورفض المختلف إلى حد قد يصل إلى تكفيره، بل ومحاولة إقصائه بشكل كلى. بيد أن التطرف لا يقتصر على النطاق الدينى بل يمتد أيضاً إلى المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية التى يسودها الاستقطاب، والأحادية فى التفكير، والشعور بالاستعلاء والسمو الزائف، وتوهُّم امتلاك الحقيقة المطلقة، والانزلاق إلى الثنائيات، وحرب الأضداد التى تقلص من المساحات المشتركة بين المواطنين، والقوى السياسية، والتيارات الفكرية.
أرجع المشاركون أسباب التطرف إلى ثقافة الاستعلاء، وتراجع التفكير النقدى، وضعف ثقافة المشاركة، والخطابات الدينية المتعصبة، والفقر والجهل والمرض، والشعور بالقهر.
إن موضوع المؤتمر موضوع حيوى ومتخصص جداً، ولذلك فإنه يحتاج إلى دراسات متأنية وموضوعية، لأن معالجة هذا المرض توفر على الأوطان والأمة الكثير من البلاءات. كان الحوار أحياناً يميل إلى الاستعراض أو البعد.
أكثر المشاركين كانوا على دراية بموضوع المؤتمر ولهم خبرات وكتابات فى هذا الميدان، ولكن الموضوع أوسع وأكبر من أن يعالج فى مؤتمر واحد، وأكبر من أن يقتصر على استراتيجية عربية شاملة واحدة، وكأنها جزيرة منعزلة عن العالم الإسلامى أو العالم كله. كانت من أهم محاور المؤتمر الحوارات حول الأمن القومى، وأعتقد أن هذه القضية تحتاج إلى تعميق الوعى والاهتمام العام بالأمن القومى حتى يصبح هماً مجتمعياً، وتتمتّن فيه العلاقة بين المجتمع وأجهزة الأمن القومى، حتى تصبح علاقة صداقة وتعاون، لأن الأمن القومى مهم للجميع على سواء للمعارضة ومَن هم فى الحكم، من حق المعارضة أن تعمل وتعارض وليس من حقها ألا تشارك فى الحفاظ على الأمن القومى.
أما موضوع الثقافة فى العالم العربى فهى قضية تحتاج إلى ثورة وتفعيل أجهزة الثقافة، حتى نرى ازدهاراً ثقافياً واستفادة من قصور الثقافة بشكل دورى يومى أو أسبوعى، وتصبح الثقافة هماً مجتمعياً يشارك فيه المفكرون حيثما كانوا، ولا تقتصر الندوات والحوارات والبرامج على المدن الكبيرة وحدها، بل يصبح كل قصر ثقافى أو دار ثقافية أداة جاذبة للجميع، يتعلمون فيها الحوار واحترام الرأى الآخر، والاهتمام بالنابهين والكفاءات، وتشجيع النواحى الفنية ونواحى الجمال، ولعلنا نستعير من التاريخ أسواق الثقافة والأدب وبطريقة عصرية.
أما المشاركة الواسعة فى وضع هذه الاستراتيجيات قبل البلورة النهائية فأمر ضرورى قبل عرضها على المسئولين أو حتى سعياً لتطويرها بعد عرضها فى ضوء المستجدات الكبيرة.
ينبغى بعد ذلك ضرورة التفاهم العالمى المشترك حول هذه الاستراتيجية العربية ومساندتها عالمياً حتى لا يكون هناك معارضة لها فى الاتجاه المعاكس، وما أكثر المتربصين بمصر.
اقتصرت التوصيات حول المحاور الرئيسية الأربعة التى يمكن من خلالها مكافحة ظاهرة التطرف وهى: الحوار الدينى والثقافة والتعليم والإعلام.
يؤكد البيان الختامى أن المشاركين تدارسوا قضايا أخرى منها على سبيل المثال لا الحصر: تدعيم التعددية الدينية، ونشر مساهمة المسيحيين العرب فى بناء أوطانهم، وتعزيز المواطنة والحفاظ على كيان الدولة الوطنية القانونية الدستورية الحديثة ومواجهة كافة مظاهر العنف والتمييز التى تتعرض لها المرأة على الصعيدين القانونى والعملى، آخذين فى الاعتبار أن المرأة والأطفال والأقليات العرقية وغير المسلمين فى مقدمة الفئات التى تعانى من التطرف والإرهاب فى المنطقة العربية. وأكد المشاركون أن التصدى للتطرف رغم أنه يتطلب مواجهة أمنية، إلا أنها تظل غير كافية، وهو ما يستدعى ربط الأمن بالتنمية، ومواجهة الفقر والبطالة والتهميش الاجتماعى الذى يتفشى فى العديد من دول المنطقة والحرص على تنمية التجارب الديمقراطية السليمة.