شجرة لكل مواطن برحيق العسل
قد لا يعلم الكثيرون من المسئولين عن المحليات فى القرى والمدن المصرية أن لغرس الأشجار مجموعة من القيم المضافة لحياة الإنسان، أقلها امتصاص ثانى أكسيد الكربون وإنتاج الأوكسجين، وبالتالى علاج أوجاع البيئة من أمراض المناخ.
ليس غريباً أن نؤكد هنا أن طرق مصر الداخلية والسريعة، وضفاف ترعها ومصارفها الكبرى والفرعية، تتسع وتستطيل لزراعة مليار شجرة، لكن ليست «فيكس، أو كينو كاربس (بزروميا)، أو جازورينا».
المليار شجرة ليست ضرباً من الخيال، إذا وُضعت لها خطة لزراعة 100 مليون شجرة سنوياً، أى شجرة لكل مواطن مصرى، شرط أن تكون أشجاراً ثنائية الغرض، أى تُنتج أخشاباً من النوع الثمين، والأزهار التى لا تثمر شيئاً بالضرورة سوى الرحيق، وما أحوجنا إلى رحيق الأزهار لتنمية صناعة «عسل النحل».
الدراسات التى أجراها ولا يزال يجريها باحثون فى قسم الأشجار الخشبية فى معهد بحوث البساتين أثبتت أن البيئة المصرية تصلح لمعيشة أشجار الأخشاب الثمينة، مثل: الماهوجنى، والبلوط، والتك، التى تستورد مصر سنوياً من أخشابها بما لا يقل عن 100 مليون دولار، ومعها الأشجار المزهرة صديقة النحل والإنسان والحيوان والبيئة، مثل الأكاسيا بأنواعها المختلفة، والكافور، وبإمكانها مضاعفة أعداد النحّالين فى مصر، بدلاً من توقف تناسلهم عند 25 ألف نحّال فقط.
لدينا أنواع من الأكاسيا تحتوى أوراقها على نسبة من البروتين تزيد على نسبته فى البرسيم وسيقان الذرة الخضراء التى يتم فرمها كعلف حيوانى «سيلاج»، وبالتالى يصلح تقليمها وتهذيبها الدائم كعلف حيوانى، كما أنها كثيفة الأزهار للدرجة التى تكفى الشجرة البالغ عمرها خمسة أعوام فقط لإعاشة خلية نحل مثمرة تنتج نحو 5 كيلوجرامات عسل سنوياً، ولنا فى إثيوبيا نموذج يُحتذى.
وبالنظر إلى ميزانيات التشجير التى تُخصص للمحليات سنوياً، سواء فى القرى أو المدن، وحتى المجتمعات العمرانية الجديدة، نجد أنه آن الأوان لإلغاء بند الفيكس والبازروميا والأشجار عديمة النفع من مقايسات العمليات التى تستهدف تزيين الطرق، لتحل عن جدارة أشجار الماهوجنى والبلوط والأكاسيا، ومع حلول الربيع، تَغنَى الزروع والضروع، ومعها ضروع النحل الواعدة بالعسل الطبيعى.
النحّالون المصريون قد لا تحركهم المشاعر البيئية، لكن يدفعهم العوز الذى ضرب حياتهم بعد عجزهم عن شراء السكر لتغذية النحل شتاء، منذ أكتوبر حتى مارس، وهى تغذية صناعية مشروعة لحفظ حياة الخلايا فقط، حتى لياح فجر التزهير ربيعاً، فيتوافر الرحيق، لتمتصه الشغالات، وتودعه فى عيون ألواح الشمع عسلاً مصفى، فيه شفاء للناس.
زراعة الأشجار الخشبية والمزهرة ليست مسئولية الدولة وحدها، لكن يجب على منظمات المجتمع المدنى تدشين حملات توعوية لتثقيف المصريين بضرورة إعادة الشجرة إلى حياتهم، أمام المنازل، وعلى ضفاف ترعهم وجسور أراضيهم، لبلوغ هدف المليار شجرة خلال الأعوام العشرة المقبلة، وهى كفيلة بمصالحة البيئة، ومخاصمة البطالة، حيث تنطلق فى ظلالها أعمال عديدة، أهمها: تشجيع إقامة مناحل العسل مرة أخرى فى الريف، لتعود خيرات القرية المنتجة إلى المصريين من بوابة العسل.