عقل وقلب «كوب 27»

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

ساعات قليلة وتنطلق أهم «قمة مناخ» يشهدها العالم. «كوب 27» التى تستضيفها مدينة شرم الشيخ الجميلة لن تكون محط أنظار العالم، بل مركز «العقل» و«القلب» و«الجيب» و«المستقبل».

عقل العالم سيكون فى شرم الشيخ، لأنه حين فقد جزء من العالم عقله وظل فاقداً إياه على مدار عقود، ألحق أكبر الضرر بالمناخ والبيئة.

وقود الكوكب الأحفورى (فحم ونفط وغاز) أسىء استخدامه لأقصى الحدود. 75% من الانبعاثات الضارة التى ساهمت فى تغير المناخ هو مصدرها.

وحين أقبل العالم على إساءة استخدام البيئة وضرب عرض الحائط بكل ما من شأنه أن يلحق الضرر بالمناخ بـ«قلب ميت»، تُرِك يسىء ويضرب دون هوادة.

ورفعت الدول الصناعية والمتقدمة شعار «أذن من طين والأخرى من عجين». فالجماعات الحقوقية العاملة فى مجال البيئة تعمل وتتظاهر وتنبه وتطالب، وأحزاب الخضر السياسية المعنية بقضايا البيئة تعمل وتجتهد وتظن أنها ستصل يوماً إلى مقاعد الأغلبية فى البرلمانات ومنها إلى كرسى الحكم فى دول الغرب والشمال.

لكن عقل التصنيع ومنهج تعظيم الفوائد مع غض الطرف شبه الكامل عن الأضرار ظلت حاكمة.حكم تعظيم الفوائد هو حكم القوى على الضعيف. عقود طويلة جداً والدول الغنية ينمو اقتصادها ويتوسع رفاهها وتتعاظم صناعاتها وتنتج ما تشاء، والدول النامية تدفع الثمن. والمعروف أن عشرين دولة كبرى مسئولة عن 80% من كارثة تغير المناخ.

هذه الكارثة لم تظهر أمس أو أمس الأول. لكنها تتراكم وتتعاظم منذ تم تغليب فوائد «الجيب» على مصير الناس. ويبدو أن البعض ظن أن الأضرار ستتوقف عند حدود الدول النامية ذات القدرات المحدودة على حماية نفسها وشعوبها، لكن تغير المناخ وتدهور البيئة لا يعترف بحدود أو يقر بترتيب حسب مستوى الدخل.

وهذا الصيف على وجه التحديد، كشرت البيئة عن أنيابها، وقرر المناخ أن يذيق سكان الكوكب -أغنياءه وفقراءه- النكهات الناجمة عن التغيرات التى لحقت به. جفاف وأعاصير وفيضانات وندرة غذاء وارتفاع درجات حرارة وحرائق غابات وغيرها اجتاحت دولاً شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً.

هذا الاجتياح المناخى والبيئى، الذى يعد مجرد البداية، يلقى بظلال ثقيلة جداً وصعبة جداً جداً على الجميع الآن. و«المستقبل» بات مقلقاً وموتراً. فالتعامل مع الآثار الناجمة عن سوء إدارة موارد الكوكب، وجبروت دول استحلت لنفسها تدمير بيئته وتغيير مناخه على مدار عقود دون تحمل المسئولية، واستمرار اعتبار البعض كل ما يتعلق بالبيئة والمناخ شأناً لا علاقة له بها، أو ضرباً من قضايا تشغل الطبقات المخملية أو الشعوب الغارقة فى الرفاهية جميعها تدفع بنا إلى ما لا تحمد عقباه.

«كوب 27» أو Conference of the Parties، أى «مؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ» ليس مجرد كلام عن الجو ودرجات الحرارة ونوعية مياه البحار وجودة الأسماك وإلقاء السيارات القديمة فى القمامة وشراء السيارات الكهرباء منعاً للإزعاج.

«كوب 27» يمثل فرصة ذهبية يؤكد خبراء البيئة والمناخ أنها ضمن الفرص الأخيرة المتاحة لينقذ سكان الأرض أنفسهم مما هم مقبلون عليه من آثار بالغة الخطورة، وهى الآثار الناجمة -كما أسلفت- عن تغييب العقل وتحييد القلب وترجيح كفة الجيب وتجاهل المستقبل بشكل شبه تام.

وعلى هامش هذه الأهمية القصوى، تبدو أعمال وأفعال البعض الناجمة عن كيد سياسى صبيانى هنا أو نكاية اقتصادية سخيفة هناك أو كمن يطلق طوبة على بيت أحدهم ثم «يطلع يجرى» مفضوحة ومعيوبة.متابعة الشد والجذب حول من اعتذر عن عدم المشاركة ثم عدل عن الاعتذار، ومن احترف إطلاق تصريحات نارية هنا رغم أنه لم يُعرف عنه الاهتمام بقضايا المناخ يوماً، ومن هو بيته من زجاج لكن يهوى إطلاق الطوب على بيوت من حوله فرفع شعار «نهيص فى الهيصة» وغيرها أمور دالة ومهمة، لعلها تخبرنا أن ساعة الجد لا يصح إلا الصحيح.

وساعة التقاء العالم فى «كوب» فى محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والضغط على من كان غير قابل للضغط من أجل القيام بدوره، ومراجعة ما تم تنفيذه من وعود سابقة وما تم تجاهله، وما طرأ من جديد فى هذا الملف بالغ الأهمية تتضاءل وتتقزم أمام وضع الكوكب.«كوب 27» هو قمة المناخ الأهم.

وهذه حقيقة ومعلومة وليست وجهة نظر أو تلميعاً لمصر. وفيما يختص بنا نحن المصريين، فقد آن أوان رفع درجات الوعى الحقيقى بالمناخ والبيئة وعلاقتنا بهما وتأثيرنا عليهما.

هذا الرفع يجب أن يكون مستداماً، بمعنى تحوله إلى أسلوب حياة يسير على قدمين: الأولى قدم القانون وتطبيقه، والثانية قدم الوعى المغروس منذ الصغر والمستدام عبر الاستمرار.