الوزير في عش الدبابير!!

كتبت في هذا المكان عشرات المقالات عن الدروس الخصوصية التي لم تستنزف فقط أموال الشعب وجعلت المواطنين يحملون الهموم ليلا ونهارا، بل دمرت التعليم لأنها قضت تماما على منظومة القيم والتربية والأخلاق التي كانت تغرسها المدرسة في نفوس الأطفال منذ الصغر.

الدروس الخصوصية قضت كذلك على القدوة والمَثل الأعلى لأنها جعلت المُدرس مجرد سلعة في نظر الطالب يشتريها بأمواله، وجعلت المدارس خاوية على عروشها وحولتها إلى مجرد مراكز إيواء للأطفال الصغار بدلا من تركهم في المنزل وحدهم أثناء وجود آبائهم وأمهاتهم في العمل،

الدروس الخصوصية أيضا قضت على استمتاع التلاميذ وأهاليهم بحياتهم لأنها مستمرة طوال العام، كما دمرت النشاط الطلابي وأنهت دور المدرسة تماما في اكتشاف ورعاية المواهب،

هذا ما فعلته الدروس الخصوصية في مصر، وما زالت تسهم في تدمير المنظومة بالكامل وأصبحت مثل السرطان الذي ينهش يوميا في جسد الوطن المنهك بالأعباء والتحديات الأخرى ووصل الحال بالأسر المصرية إلى الاقتراض والاستدانة بل تقتطع من قوت يومها ونفقات علاجها لتوفير الأموال لمافيا الدروس الخصوصية التي أصبحت مكتوبة على جميع الطلاب أبناء الغنى والفقير والخفير والوزير ،

أولياء الأمور يرون أنه لا يمكن الاستغناء عنها لعدم وجود بديل رغم أن أعداد الطلاب في السنتر أضعاف أضعاف عددهم في الفصل المدرسي ومع ذلك يزعمون أنهم يستوعبون من السناتر أكثر، وربما يكون نفس المُدرس ولكنه يعمل بضمير في السنتر، وأيضا الطلاب يحرصون على حضور الدروس الخصوصية قدر حرصهم على الغياب من المدرسة ويخافون من مدرس السنتر قدر استهانتهم بمدرس المدرسة ويحبون السنتر ويكرهون المدرسة ويعتمدون على المذكرات الخارجية ويهملون الكتاب المدرسي الذي تنفق الدولة على طباعته 4 مليار جنية ،

كل هذه مشكلات مزمنة لم تجد وزارة التربية والتعليم حلولا لها طوال عشرات السنوات الماضية.

لابد من الاعتراف بأن القائمين على الدروس الخصوصية أشخاص محترفون ويتمتعون بذكاء شديد ويطورون أنفسهم وفقا لمتطلبات العصر ويسبقون الدولة بخطوات كثيرة ولذلك كنت اقترحت أكثر من مرة فكرة مجنونة وخارج الصندوق، وفي الحقيقة هما فكرتان، الأولى: الاستفادة من محترفي الدروس الخصوصية في إدارة العملية التعليمية، والثانية: مساهمة المواطنين بجزء من أموال الدروس الخصوصية وتوجيهها لتطوير التعليم وتحسين معيشة المدرسين في مقابل عودة الطلاب للمدرسة واستعادة دورها وفي الوقت نفسه يتم اغلاق جميع السناتر نهائيا.

أعلم أن الأمر صعب ولكنه ليس مستحيلا فالدولة قادرة وقوية وحينما تريد تفعل.

وهذه مهمة الإدارة المحلية وجهاز الشرطة قبل وزارة التربية والتعليم، ولكن للأسف هناك كثير من المسئولين والموظفين في الدولة يتسترون على مراكز الدروس الخصوصية ويستفيدون منها وربما يشاركون في ملكيتها وليس من مصلحتهم القضاء عليه،

الدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم شخصية وطنية محترمة ويعلم كل كبيرة وصغيرة في هذه المنظومة لأنها تدرج فيها من أول السلم مدرس اعدادي في مدرسة ريفية حتى كرسي الوزارة والله يكون في عونه لقد ورث تركة ثقيلة كبيرة.

ولكن تصريحاته الأخيرة حول ترخيص السناتر أثارت ذعرا كبيرا في المجتمع وأظن أنه لم يقصد ذلك إطلاقا وأتمنى أن يكون أُسيئ فهمها لأنه طبقا لكلامه الدروس الخصوصية تغتصب 47 مليار جنية سنويا من جيوب المواطنين الذين أصلا يصارعون الحياة من أجل لقمة العيش ليس هذا فقط ولكن هي كارثة أمام تطوير التعليم الذي بدونه لا مستقبل للدول بل قد تنهار تماما،

الكل يتكلم عن الدروس الخصوصية في المدارس ولا أحد يتناول انتشارها في الجامعات حتى تحولت العقارات المجاورة للحرم الجامعي إلى جامعة موازية وسناتر يمتلكها ويديرها ويعمل فيها بعض أعضاء هيئة التدريس، الدروس الخصوصية هي عش الدبابير لم ينجو منه أي وزير

وهي عرض لمرض وجزء من أزمة التعليم في مصر والقضاء عليها يحتاج تكاتف جميع أجهزة الدولة لأن استمرارها وتفاقمها تضرب الدولة من جذورها واللهم احفظ مصر