ماذا ننتظر من المؤتمر الاقتصادي أكتوبر 2022؟

ماذا ننتظر من المؤتمر الاقتصادي أكتوبر 2022؟
- المؤتمر الاقتصادي
- التضخم
- الأوضاع النقدية
- كورونا
- البنوك المركزية
- المؤتمر الاقتصادي
- التضخم
- الأوضاع النقدية
- كورونا
- البنوك المركزية
يأتي المؤتمر الاقتصادي الذي ينعقد في الفترة 23-25 أكتوبر 2022 في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي اضطرابات كبيرة، أولها هو التضخم الذي يعد التحدي الأكثر ضراوة عالميًا ووصلت معدلاته إلى مستوى لم يشهده العالم منذ عقود، نتج عن ذلك الوضع توجه عدد من البنوك المركزية عالميًا نحو تشديد الأوضاع النقدية.
في معظم المناطق، كان للسياسات النقدية والمالية التي تم تطبيقها خلال فترة جائحة كورونا والفترات اللاحقة لها دورا في تقديم دعم غير مسبوق خلال فترة الوباء، لكن وعلى الرغم من ذلك فمن المتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد العالمي إلى 3.2% في عام 2022، ويستمر في الانخفاض إلى 2.7% في عام 2023.
شكل عدد من العوامل أساسًا لتلك الفرضية، منها: الآثار السلبية التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي، والانكماش الاقتصادي الذي أصبحت على أعتابه الاقتصادات العالمية. يأتي هذا كله في وقت لم يفق فيه الاقتصاد العالمي من إغلاقات فترة كورونا، وأزمة سلاسل التوريد، وأزمة عقارات ربما تنفجر في أي وقت بالصين.
يرى صندوق النقد الدولي أن درء هذه المخاطر يبدأ بالسياسات النقدية التي تستهدف استقرار الأسعار والعودة إلى المسار الصحيح، وهو أمر حاسم وضروري لتجنب التضخم. من جانب آخر، فإن السياسة المالية تضع نصب عينيها حماية الفئات الضعيفة من تلك الانكماشات المحتملة، من خلال توفير باقات الدعم المختلفة التي تساعد على تجاوز تلك الأزمات المعيشية في جميع أنحاء العالم. لكن الوضع العالمي متنامي الديون أصبح يشكل عبئًا كبيرًا على موازنات الدول خاصة النامية منها والتي أصبحت مثقلة بالديون إلى حد كبير، وهو ما يفرض تهديدًا آخر باحتمالية عدم مقدرة تلك البلدان على تحقيق نمو اقتصادي والتعثر أمام تلك الأعباء.
لكن وعلى الرغم من تلك الأوضاع العالمية السابق الإشارة إليها، ظل الاقتصاد المصري -بفعل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبقته الحكومة بالشراكة مع صندوق النقد الدولي ومنح الاقتصاد المصري المرونة اللازمة للتعاطي مع تلك الأزمات المتعاقبة- قادرًا على تحقيق معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.6% للعام المالي 2021/2022.
وعلى الرغم من نشوب الحرب الروسية الأوكرانية والتي ألقت بظلالها على أسعار الطاقة عالميًا وعطلت سلاسل التوريد وشددت الأوضاع النقدية عالميًا في محاولة بلدان العالم لاحتواء التضخم، فمن المتوقع أن يستطيع الاقتصاد المصري تحقيق معدل نمو إيجابي للعام 2022/2023 بنسبة 4.4%، مع قدرته الكبيرة على الحفاظ على معدلات البطالة بمصر بل وخفضها إلى مستويات 7.2% تقريبًا وهو المعدل الأقل منذ عقد تقريبًا، وهو يشير إلى إصرار الحكومة على استكمال مسيرة التنمية الوطنية حتى في أصعب الأزمات حفاظا على الوظائف بالسوق، ومنع الشركات من تسريح العاملين والذي سيكون له آثار اجتماعية كبيرة على الأسر المصرية.
ولأن ما يحدث عالميًا أمر غير مسبوق، كانت هناك ضرورة لتكاتف جميع الأطراف (حكومة، ومؤسسات مالية محلية ودولية، ومؤسسات المجتمع المدني غير الهادفة للربح) لتلتقي في منصة واحدة تجمعهم قضية وطنية واحدة، وسؤال أبرز وهو كيف يمكن صياغة مستقبل الاقتصاد المصري في ضوء الحفاظ على مكتسبات الماضي التي سبقت الإشارة إليها، والاستمرار في تعزيز قدرة الاقتصاد المصري على التكيف مع تحديات المستقبل.
ولتحقيق ذلك الهدف، فقد تمت دعوة عدد كبير من الخبراء من أكثر من 21 جهة محلية ودولية، لتلتقي على مدار ثلاثة أيام للحديث حول ثلاث محاور رئيسة: أولها سياسات الاقتصاد الكلي على المستوى العالمي والمحلي والتي تشمل السياسات التي تم تطبيقها في الاقتصاد المصري خلال الفترة الماضية، وكيف ساهمت تلك السياسات في إكسابه المرونة الكافية لمجابهة الأزمات الحالية، وطرح رؤى وأفكار كبار الاقتصاديين حول أنسب السياسات الاقتصادية وأفضل الممارسات الدولية المستهدف تطبيقها لدعم الاقتصاد المصري في ضوء تحقيق رؤية مصر 2030، وكذلك التطرق إلى آلية تمويل تلك السياسات والتي تشمل سياسات الانضباط المالي والاستدامة المالية والحفاظ على مكتسبات المالية العام التي حققتها مصر في الماضي وتعزيزها، وكذلك السياسات النقدية التي تعزز قدرة الاقتصاد المصري على النمو مع احتواء التضخم والحفاظ على مصداقية السياسات النقدية في التعامل مع المتغيرات الاقتصادية.
ولأن مسيرة التنمية المصرية لا يمكن للحكومة وحدها أن تنفذها، فقد تم تخصيص اليوم الثاني للحديث عن الإطار العام لتهيئة بيئة الأعمال وتمكين القطاع الخاص، حيث حرصت الدولة على زيادة مشاركة القطاع الخاص وزيادة الاستثمارات الأجنبية، وقد صاغت الإطار العام لتلك الجهود في وثيقة طرحتها للحوار الوطني تم تسميتها بوثيقة مليكة الدولة والتي ترسل برسائل إيجابية للمستثمر المحلي، وتعزز من ثقة الاستثمار الأجنبي، وتسهم في تعزيز ثقة المؤسسات الدولية، وتتواكب مع الاتجاهات العالمية لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في التنمية، بما يجعلها خطة متكاملة لتمكين وتعظيم نصيب القطاع الخاص بالاقتصاد المصري، والذي سيصب بنهاية الأمر في رفع معدلات النمو الاقتصادي.
وهنا برز الدور الكبير الذي يقوم به صندوق مصر السيادي في مشاركة الدولة في تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الأصول، بما يتماشى مع تعظيم موارد الدولة واستثمار تلك الأموال والحفاظ على الموارد للأجيال القادمة، إذ يلعب الصندوق دورًا كبيرًا في تخفيف العبء التمويلي عن كاهل الدولة بِمُخْتَلِف قطاعاتها في تنفيذ مشروعاتها والنهوض بالاقتصاد القومي، الأمر الذي من شأنه أن يوفر مصادر تمويلية كبيرة، ويعمل على خفض تكلفة تأسيس المشروعات في ظل التنافس بين المستثمرين، ويخلق فرصًا كبيرة لتوطين عدد من الصناعات، وتنفيذ العديد من مشروعات البنية الأساسية الداعمة للنمو الاقتصادي في الأجل المتوسط والطويل.
أما عن اليوم الثالث للمؤتمر فيركز على مناقشة خارطة الطريق لقطاعات ذات الأولوية بالاقتصاد القومي، فتبدأ الجلسة الأولى بتبني الحكومة المصرية عددًا من المستهدفات علي مستوى القطاعات الاقتصادية المختلفة، بهدف تعزيز مستويات مرونة الاقتصاد المصري وقدرته علي مواجهة الصدمات الاقتصادية، من خلال عدة مسارات وهي: الكهرباء، البترول، الاتصالات، الإسكان، البيئة، النقل، الزراعة، الطيران، الصناعة والسياحة. وتأتي الجلسة الثانية لمناقشة آليات وسبل معالجة أزمة الفجوة التمويلية وحل مشاكل المستوردين من خلال تكاتف جهود كافة الجهات المعنية، لتخفيض حجم الواردات وزيادة الصادرات.
وفي الختام، يعد المؤتمر الاقتصادي بمحاوره الثلاثة: السياسات الاقتصادية الكلية، وفرص تعزيز القطاع الخاص وتهيئة بيئة الأعمال، وخارطة الطريق للقطاعات ذات الأولوية بالاقتصاد المصري؛ منصة متكاملة استهدفت الاقتصاد المصري من زوايا متعددة منها عرض فرص وآفاق نمو الاقتصاد المصري والسياسات الاقتصادية الكلية التي تهيئ المناخ العام للممارسة أنشطة الأعمال في مصر، وفرص مشاركة القطاع الخاص وتعزيز دوره في عملية التنمية كون وجوده ضرورة لتكاتف جميع الأطراف للعمل سويًا في المستقبل، ثم الانتقال للحديث عن خارطة طريق تستهدف رسم رؤى لقطاعات الدولة المصرية؛ ليخرج المؤتمر بخارطة طريق تشاركية تحدد أبرز فرص وملامح مستقبل الاقتصاد المصري.
*محمد صبري: باحث بوحدة الاقتصاد ودراسات الطاقة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية*