حوار مع الرسول صلى الله عليه وسلم
يا حبيبى يا رسول الله، أتوجه إليك بخطابى هذا فى يوم مولدك الكريم، والحق أننى أردت أن أخلو إلى نفسى وأحدثك بما يعتمل فى صدرى، ولكننى رأيت أن حديثى سيدور حول أمة المسلمين، لذلك قررت أن يصل صوت حديثى للأمة كلها، بأبى أنت وأمى يا رسول الله، أنا على يقين أنك لم تمت، فأصحاب الدعوات لا يموتون بل تظل حياتهم تتردد بين جدران الزمن لا تغادره أبداً ما بقيت دعواتهم، والإسلام سيظل إلى يوم الدين، أما عن الموت الذى يترتب عليه فناء الجسد فلا ضير فيه فالله سبحانه قال «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ» وهو أيضاً القائل «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ» وسبحان رب العزة، فعندما قرأت يا رسول الله هذه الآية قلت فى نفسى: لماذا لم يحدد الله فى هذه الآية طريقة انتهاء عمرك الدنيوى، إذ قال «أفإن مات أو قتل» أى أنه فى القرآن وارد أنك ستموت كما يموت الناس على أسرتهم، ووارد أن يقتلك أحدهم! المعنى الذى وصلت إليه يا رسول الله أن الله لم يرد أن يخبرك بطريقة انتهاء عمرك، فهذا غيب غيبه الله عنك، ألم يقل لك فى كتابه الكريم «قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ» وفى القرآن أيضاً «وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ» وفى القرآن ما يدل على هذا المعنى بقوله تعالى « وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ» ولأن الله لم يخبرك يا رسول الله بموتك موعداً وطريقة، لذلك قال فى كتابه الكريم «أفإن مات أو قتل» لتكون طريقة موتك مخفية عنك، وقد تظل مخفية عنا أيضاً، المهم هنا أننى أناجيك وأثق أن كلامى سيصل إليك.
عنَّ لى يا حبيبى يا رسول الله أن أشترى بعض الحلوى احتفالاً بمولدك فإذا بفريق من المسلمين يطلقون على أنفسهم اسم السلفيين يقولون إن الاحتفال بمولدك وشراء الحلوى التى تبهج خاطر الصغار والكبار حرام، ليست الحرمة فى شراء الحلوى ذاتها ولكن الحرمة هى بخصوص الاحتفال بمولدك! ويقولون فى هذا إن الاحتفال بمولدك بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار! وقد حاولت يا رسول الله صلى الله عليك وسلم أن أتصور الذى يقولون فعجزت! أإذا أقمت احتفالاً أبديت فيه فرحتى بمولدك أكون قد ارتكبت محرماً! أيغضب الله فى علاه من فرحتنا بيوم مولدك واحتفالنا به! أيسوءه أن نشترى الحلوى فى هذا اليوم! الذى أعرفه يا رسول الله أنك قلت فى الحديث الشريف «من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» أى هو باطل، ولكن هذا الحديث يتعلق بالشعائر التعبدية، أى إذا جاء أحدهم وجعل الصلاة ثلاث مرات فى اليوم، أو أن الحج فريضة مرة كل عامين، أو جعل صيام رمضان يمتد إلى شعبان فريضة، يكون هذا الكلام هو المعنى بـ«من أحدث فى أمرنا هذا» وكذلك البدعة فى الدين هى أيضاً مرتبطة بالشعائر التعبدية، وإلا لكانت كل المستجدات فى حياتنا بدعة لأنها لم تكن فى عهدك يا رسول الله.
وبما أننى أشرت إلى المستجدات فى حياتنا لذلك فإننى سأنتهزها فرصة وأحدثك عن المستجدات التى أحدثوها فى الدين، هل تصدق يا رسول الله أنهم ينسبون إليك حديثاً يزعمون فيه أنك قلت عن الله «رأيت ربى فى صورة شاب أمرد جعد عليه حلة خضراء»! ما أفظع هذا التقول عليك يا رسول الله، جعلوك تجسم الله، ثم يقف من يدعى السلفية لكى يدافع عن هذا الحديث ويقول فى نطاعة: إنها رؤيا منامية، يا لك من نطع يا رجل، ألا تعرف أن رؤيا الرسول حق، وألا تعرف فى ذات الوقت أن الله «ليس كمثله شىء» فكيف تجعل الله فى رؤيا الرسول مثل الأشياء، شاب أمرد له صفات بشرية.
أما الطامة الكبرى فقد جعلوك يا رسول الله محارباً لكل البشر، ليس لك أى عمل إلا مضاجعة زوجاتك! حتى أنه بهذه المثابة أصبح لا وقت لديك للدعوة، ومن هذه الادعاءات الباطلة ألحد عدد كبير من الشباب صغار السن ممن ظنوا أن هذه المزاعم صحيحة، كذبت يا من قلت هذا، ولا أراك إلا وغداً أثيماً، أيصل بك النفاق إلى درجة أن تنسب للرسول أنه أراد أن يراود امرأة عن نفسها! لا تتعجب يا أشرف خلق الله، لقد قالوا عنك ذلك، وأخذ السلفيون يدافعون بكل قوتهم عن حديث باطل أورد هذا الكذب، والمؤسف أن الذى أورد هذا الحديث جمهرة من رواة الأحاديث وعلى رأسهم البخارى، وقد جاء هذا الحديث عن صحابى اسمه أبى أُسيد ونصه هو: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ لَهُ الشَّوْطُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ، فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم: اجْلِسُوا هَا هُنَا. وَدَخَلَ وَقَدْ أُتِىَ بِالْجَوْنِيَّةِ، فَأُنْزِلَتْ فِى بَيْتٍ فِى نَخْلٍ فِى بَيْتٍ أُمَيْمَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ، وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَبِى نَفْسَكِ لِى. قَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ. قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ. فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ. فَقَالَ: قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ. ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: يَا أَبَا أُسَيْدٍ اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا».
المضحك يا رسول الله أن هذه القصة الباطلة رواها أبى أسيد، وقد كان وقت وجودك المزعوم مع أميمة هو وبعض الصحابة خارج الدار، أى لم يكن معك، ثم قص علينا القصة دون أن يقول أخبرنا رسول الله أنه لما دخل عليها حدث كذا وكذا! ثم هل يتصور أحد أن سيد الخلق رسول الله يقول لامرأة ما «هبى نفسك لى»! فتنفر المرأة، فيقترب منها ليضع يده عليها لتهدأ، فتقول له أعوذ بالله منك!! ما هذه الأباطيل التى نسبوها لك يا سيدى يا رسول الله، لم يسيئوا لك ولكنهم أساءوا لأنفسهم وقدموا صورة مشوهة عنك للبشرية، وقدموا نموذجاً مرفوضاً من الإسلام المزيف.
ومع ذلك يا أحب خلق الله إلى قلبى فإنه يؤسفنى أن أقول لك إننى فى زمننا وواقعنا رأيت من يرفع شعار الإسلام ثم يمارس القتل والتنكيل والكذب والخداع، لا يأبه للدماء، ولا يُعظم الحرمات، ولا يتجنب المحرمات، ثم يستمر فى رفع الشعار حتى يوهم البسطاء أنه من رجال الله الذين يريدون تطبيق شريعته، وما كان رفع الشعار يغنى عنهم من الله شيئاً، فالله ينظر إلى الأفعال «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» فليقل من يرفع الشعار ما يحب، فالكلام قد ينطلى على البسطاء أصحاب المشاعر الجياشة الذين تطغى مشاعرهم على عقولهم فلا تترك لها مجالاً للتفكير، لم يفكر أصحاب المشاعر التى لم يضبطها العقل يا رسول الله فى الفارق بين الدين والتدين، الإسلام والمسلم، منهجك يا سيدى يا حبيب الله ومنهج هؤلاء.
نحن يا رسول الله نعيش الآن بعد مرور أربعة عشر قرناً من هجرتك، كما أستطيع أيضاً أن أقول، ويا أسفى على ما سأقول، إن معظمنا فى زمننا، إلا من رحم ربى، ينتمى إلى الإسلام بالميلاد، ولدتنا أمهاتنا فوجدنا أنفسنا مسلمين، ومعظمنا يا حبيبى يا رسول الله يقيم الشعائر التعبدية، إلا أننا نقيمها شكلاً ورسماً لأنها أصبحت عادة لا بحسبها عبادة! فنحن نصوم رمضان.. عادة، ونصلى الصلوات الخمس.. عادة، ونذهب للحج والعمرة.. عادة، وهكذا، ولكن يبدو أن مرور أربعة عشر قرناً على بعثتك جعلنا ننسى مقاصد الشريعة وحكمة الشرع، بل يبدو أننا نسينا الإسلام نفسه! عذراً يا حبيبى يا رسول الله عذراً يا من صلى الله عليه وسلم، فإننا الآن فى هذا الزمن وإن كنا كثرة إلا أننا كغثاء السيل، لا نحسن إلا القتل والسب واللعن والقول الفاحش وانتهاك الأعراض.
عفواً يا سيدى يا رسول الله لقد استطردت فى الحديث دون أن أقدم نفسى، فأنا أنتمى إلى هذه الأمة التى من المفروض أن تكون أمتك!