رؤية فى تحديات حقوق الإنسان فى التعليم الأزهرى
التجديد فى الدين لا يعنى المساس بنصوصه المقدّسة، وإنما يعنى إعادة تفسيرها أو قراءتها على ضوء المستجدات، ولأن التعليم الأزهرى هو قلعة العلوم الإسلامية، فإن التجديد يبدأ منه، ومسئولية المتخصصين والمهتمين أن يتناولوه من أوجهه المختلفة، وسوف نعالج جانب تحديات تطبيق حقوق الإنسان فيه، ونبين رؤيتنا من خلال ثلاثة عناصر، نوضح فيها معوّقات هذا التطبيق ومظاهره وعوامل استيعابه لتلك الحقوق، كما يلى:
أولاً: معوقات تطبيق حقوق الإنسان فى التعليم الأزهرى:
يمكن تلخيص معوقات تطبيق حقوق الإنسان فى التعليم الأزهرى فى العناصر الثلاثة الآتية:
(1) تقديم التعليم الأزهرى على أنه دين الإسلام الصحيح، وليس على أنه شروح وتفاسير ومفاهيم متعدّدة ومتجدّدة لنصوص الإسلام المقدّسة. وكل شرح أو تفسير أو مفهوم يجب أن يُنسب إلى قائله ولا يُنسب إلى الله عزّ وجلّ؛ حتى يُؤخذ منه ويُرد عليه. وتكون العبرة فى النهاية عند كل إنسان باطمئنان نفسه وقناعة قلبه الذى يلقى به ربه فرداً؛ عملاً بقوله تعالى: «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ» (النحل: 116)، وما أخرجه مسلم عن بريدة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، كان يقول لمن يُنصبه أميراً: «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك -أى أنت- فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا». وما أخرجه أحمد بإسناد حسن أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال لوابصة بن معبد: «استفتِ نفسك استفتِ قلبك، وإن أفتاك الناس وأفتوك».
(2) تقديم التعليم الأزهرى فى إطار منهج «المصوبة والمخطئة» فى المطلق، وليس بالنسبة لإدراك المتلقى، كما قال الإمام الشافعى: «قولى صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرى خطأ يحتمل الصواب». مما جعل الكثيرين يرون تفسيق مخالفيهم أو انحرافهم عن الحق الذى يرونه مشاهداً فيما يشبه اللوائح والتعليمات، وليس غيباً يُستدل عليه باستنباطات أهل الذكر الذين لا تُعرف نتائج اجتهاداتهم إلا يوم القيامة، ولجميعهم أجر الاجتهاد، وللمصيب منهم أجر إضافى.
وجاء منهج «مجمع البحوث الإسلامية» و«هيئة كبار العلماء» على وفق منهج «المصوبة والمخطئة»، عندما استحدث المجمع والهيئة أسلوب التصويت على الرأى الفقهى عند الاختلاف، ليحكم على الرأى الحائز على أغلبية الأصوات بأنه الصواب، ويحكم على الرأى الآخر بأنه خطأ. وهذا إن صلح فى نظام الإدارة، فإنه يخالف منهج الاجتهاد الفقهى والاستنباط العلمى الذى يحترم الرأى والرأى الآخر؛ لتكون السيادة للجميع، كما قال النبى، صلى الله عليه وسلم: «كل بنى آدم سيد»، فيما أخرجه ابن عدى فى «الكامل»، بإسناد صحيح عن أبى هريرة.
(3) انفصال التعليم الأزهرى الجامعى عن منظومة العلوم الدينية المتكاملة، فبعد أن كان الطالب فى المرحلتين الإعدادية والثانوية يدرس مجموعة علوم «أصول الدين والشريعة واللغة العربية»، على قدر مستواه العلمى والعمرى، فإنه فى الجامعة قد انفصل فى دراسته، ليتخصّص فى أحد فروع العلوم الدينية، متوهماً بحصوله على درجة «الإجازة العالية» -وهى درجة الليسانس فى الكليات النظرية فى الجامعات الأخرى- أنه صار مُجازاً لتعليم الناس علوم الدين كاملة، وهو فى الحقيقة لم يدرس إلا علوم «أصول الدين» فقط، ويكاد يجهل علوم «الشريعة والفقه». أو أنه لم يدرس إلا علوم «الشريعة والفقه» فقط، ويكاد يجهل علوم «أصول الدين». أو أنه لم يدرس إلا علوم «اللغة العربية» فقط، ويكاد يجهل علوم «أصول الدين وعلوم الشريعة والفقه».
وقد ترتب على ذلك، اجتراء الرؤية العلمية الدينية، بما أوسع الفجوة بين خريجى الأزهر، لدرجة رفض بعضهم رؤية الآخر الفقهية.
ثانياً: مظاهر عدم تطبيق حقوق الإنسان فى التعليم الأزهرى:
يقوم التعليم الأزهرى على مجموعتين من العلوم الأساسية هما علوم أصول الدين وعلوم الشريعة والفقه، وسوف نبين مظاهر عدم تطبيق حقوق الإنسان فى هاتين المجموعتين، دون التقليل من أهمية مجموعة علوم الوسائل، المتمثلة فى علوم اللغة العربية.
(1) مجموعة علوم أصول الدين:
1- توسعة دائرة التكفير بالأشخاص لا بالأقوال، مع أن الذى نملكه هو الحكم على القول بأنه كُفرى. أما الشخص فالحكم عليه يقتضى البلوغ إلى حقيقة قلبه وما استقر عليه عند فراق أجله؛ لأن العبرة بالخواتيم، ولهذا قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ» (الحج: 17). وقال تعالى: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَىْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَىْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» (البقرة: 113).
2- توسعة دائرة التكفير بالأقوال الخلافية فى المسائل الكلامية، مثل إنكار عذاب القبر، وتأويل الأسماء والصفات لله سبحانه، وعدالة الصحابة، ونحو ذلك. مع وجود الأقوال الأخرى التى ترى وصف القول المخالف بالفسق لا الكفر.
3- استحلال دم الموصوفين بالكفر عند الواصفين لهم به؛ عملاً بآية السيف المختلَف فى نسخها، وهى قوله تعالى: «فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ» (التوبة: 5)، وحديث السيف الذى أخرجه الشيخان عن أبى هريرة وغيره، بألفاظ مختلفة، ومنها أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها».
4- رفض رؤية ابن الصلاح (ت 643 هـ) فى وصف الأمم السابقة المتبعة لإحدى الرسالات السماوية، وأتباعهم بوصف المسلمين. ورفض رؤية ابن تيمية (ت 728 هـ) فى وصف الأمم السابقة لإحدى الرسالات السماوية وأتباعهم بوصف المسلمين بالإطلاق العام، لتمييزهم عن أمة الإسلام الخاتم، الموصوفين بالمسلمين بالإطلاق الخاص.
5- إعلاء العصبية الدينية بما يُعرف بـ«الولاء والبراء»، ليس للصفات الحسنة والقبيحة، وإنما للأشخاص. فيُرفض الشخص بالكلية لمجرد الحكم عليه بالبراء، ويُقبل الشخص بالكلية لمجرد الحكم عليه بالولاء. ونتج عن ذلك اختزال الإسلام فى الشعارات الدينية، ليستغنى بها عن المقاصد الحقيقية، ولتؤجج بها نار الفرقة التى تقسم المجتمع، بما جعله الله وضعاً إنسانياً طبيعياً فى الدنيا كما قال سبحانه: «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ» (التغابن: 2)، وقال سبحانه: «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» (الكهف: 29). ولذلك وجدنا النبى، صلى الله عليه وسلم، قد تعايش مع غير المسلمين فى المدينة المنورة وشاركهم فى حمايتها يوم الأحزاب، ومات ودرعه مرهونة عند يهودى اشترى منه ثلاثين صاعاً من شعير، كما أخرجه «البخارى» عن «عائشة». وأما ما أخرجه «الدارقطنى» عن عائذ بن عمرو المزنى أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «الإسلام يعلو ولا يُعلى» فهو فى قيم الإسلام ومبادئه، وليس فى شخص المسلم أو شخص غيره.
6- تهميش مبدأ التعارُف الإنسانى المقرر فى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» (الحجرات: 13)، وما يترتب على هذا المبدأ من إعلاء التمايُز بين الناس حسب الأكثر نفعاً وعدلاً للآخرين، ليكون الأولى بالتقدير، وحسب الأكثر ضرراً وظلماً عليهم، ليكون الأحق بالمقاومة. قال تعالى: «كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ» (النساء: 135)، وقال تعالى: «كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ» (المائدة: 8)، وأخرج «أبونعيم» فى «الحلية» والحارث بن أبى أسامة فى «مسنده» والبيهقى فى «شعب الإيمان» وأبويعلى فى «مسنده» والطبرانى فى «معجمه الكبير» بروايات مختلفة تقوّى بعضها بعضاً، كما قال السخاوى فى «المقاصد الحسنة» عن أنس أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «الخلق كلهم عباد الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله». كما أخرج الطبرانى فى «معجمه الأوسط» والقضاعى فى «مسند الشهاب» عن جابر بن عبدالله أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «المؤمن يألف ويُؤلف، ولا خير فيمن يألف ولا يُؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس». وأخرج مسلم عن أبى هريرة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «مَن نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نَفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه فى الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله فى الدنيا والآخرة، والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه».
7- توسعة فهم مبدأ «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، وسلطات الآمر والناهى بما يُخرجه عن دائرة الدفاع عن النفس إلى العدوان، ودائرة الحكمة والموعظة الحسنة إلى العنف والغلظة؛ حتى انحرف هذا المبدأ من طريق الإصلاح المنشود إلى الطغيان على حق القضاء واختصاصاته، والظلم بأبناء المجتمع المكفول لهم حق التعدُّدية الدينية والتعدُّدية المذهبية، وكأن حديث الأمر بالمعروف صار سيفاً على سائر الحقوق، فيما أخرجه مسلم عن أبى سعيد الخدرى أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».
8- إظهار حروب النبى فى سيرته العطرة، على أنها غزو للبلاد الآمنة، وفتح للبلاد المغلقة للاستيلاء على خيراتها واستعباد أهلها، مع أن غزوات النبى، صلى الله عليه وسلم، كانت دفاعية، وفتوحه كانت أجزية لخيانتهم العهد المتفق عليه، مما يستوجب إعادة طرح السيرة النبوية على مبادئ الوفاء بالعهد وحق الدفاع عن النفس.
(2) مجموعة علوم الشريعة والفقه
1- بشأن قضايا المرأة. ومنها أحكام دية المرأة، وشهادتها فى الحدود والقصاص، ونصاب شهادتها فى الأموال والحقوق، والولاية عليها فى النكاح، وتوليتها القضاء أو شيئاً من الولاية العامة، وسفرها دون محرم أو زوج، ونصيبها فى الميراث. فكل تلك المسائل -عدا الميراث- اختلف فيها الفقهاء، بما يتضمن أقوالاً تتفق مع حقوق الإنسان المعاصرة يجب إلحاقها فى مناسباتها عند ذكر الأقوال المشهورة التى تخالف تلك الحقوق؛ حتى يتأهل الطالب لقبولها، ويدرك أن من الفقهاء المسلمين قديماً من سبق المعاصرين فى حقوق المرأة.
أما الميراث فهو من العبادات التوقيفية كالصلاة والصيام، ومع ذلك فالإسلام أذن لجميع الورثة أن يتخارجوا لصالح بعضهم أو غيرهم، فمن حق الأولاد البالغين أن يقتسموا التركة بينهم بالسوية من دون فرق بين ذكر أو أنثى، طالما تراضوا على ذلك.
2- بشأن قضايا غير المسلمين، ومنها حق المواطنة الذى يُعطى صاحبه حق تولى القضاء والوظائف العامة والالتحاق بالجيش والشرطة، وحق الشهادة فى المحاكم، وعدم تحمّل أعباء مالية زائدة كالجزية، وعدم الحرمان من الحقوق الإنسانية، مثل إفشاء السلام وعيادة المريض وتلبية الدعوة وتشييع الجنازة وحق الجوار والقرابة فى الدم والزمالة فى العمل ونحو ذلك، مما عالجه الفقهاء باجتهاداتهم المختلفة، وبما يتضمّن أقوالاً تتفق مع حقوق الإنسان المعاصرة يجب إلحاقها فى مناسباتها عند ذكر الأقوال المشهورة التى تُخالف تلك الحقوق، تمهيداً لقبولها، وإدراكاً لسبق بعض الفقهاء المسلمين قديماً، إليها قبل الحقوقيين المعاصرين.
3- بشأن القضايا العامة. مثل الخلافة، والأخذ بالجنسية، والعمل بالديمقراطية، والنظام الحزبى السياسى، وتقسيم السلطات إلى تنفيذية وتشريعية وقضائية، ووضع الدستور والقوانين واللوائح، وإلحاق الحدود بالعبادات دون العقوبات، ووضع ضوابط نظامية لأحكام الجهاد والغنيمة والأسرى، تخضع لمبادئ وقيم إنسانية مشتركة، وغير ذلك مما يتسع له الفقه ويستوعبه اجتهاد الفقهاء، بما لا يتعارض مع حقوق الإنسان المعاصرة. وهذا ما يجب التجديد فيه، وإضافته إلى أقوال الفقهاء السابقين فى المسائل التى كانت تناسب عصرهم.
4- بشأن قضايا الأحوال الشخصية. مثل الزواج والطلاق والميراث وأحكام العبادات الدينية، كالصلاة والصيام والزكاة والحج، فهذه حقوق شخصانية، كل إنسان فيها سيد قراره حسب دينه الذى اعتنقه؛ وقد قال تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» (البقرة: 256). وهذا ما يتفق مع حقوق الإنسان المعاصرة، وإذا كانت تلك الحقوق تفتح الطريق أمام المثليين كما يُفهم من المادة (16) من الإعلام العالمى لحقوق الإنسان، التى تنص على أنه «للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوّج وتأسيس أسرة دون أى قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله»، فإن أهل الذكر من المسلمين ومن فى صفهم من أهل الملل السماوية السابقة، قادرون على إظهار فساد هذا العمل الشنيع المخالف للطبيعة والفطر السوية؛ حتى ينفر الناس فيه طوعاً، وتكون الكلمة للأكثرين بعدم وضع حماية قانونية لهؤلاء الشواذ؛ عملاً بالمادة (18) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان التى تنص على أنه «لكل شخص الحق فى حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها، سواء أكان ذلك سراً أم جهراً، منفرداً أم مع الجماعة».
ثالثاً: عوامل استيعاب التعليم الأزهرى لتطبيق حقوق الإنسان:
يتميز التعليم الأزهرى بميزات تؤهله لاعتلاء الصدارة فى تطبيق حقوق الإنسان، ومنها ما يلى:
(1) سيادة الطالب واستقلالية الأستاذ. فلا يعرف التعليم الأزهرى نظام البيعة من الطلاب لأساتذتهم، أو البيعة من الأساتذة لشيخ معهدهم أو أزهرهم. وإنما البيعة لقناعة الأستاذ واستيعاب الطالب للدليل الموصّل إلى المسألة.
(2) تعدُّد نماذج الحقيقة الإسلامية بما يستوعب الفكر الإنسانى المتعدّد بفطره السوية واستقاماته المنطقية، ولذلك استوعب التعليم الأزهرى تدريس المذاهب المختلفة فى المسائل الفقهية أو الرؤى المتعددة فى المسائل الكلامية، دون التعصّب لمذهب على حساب الآخر، أو لرؤية على حساب الأخرى، إلا البحث عن المصلحة المنشودة والمنطق القويم من وجهة نظر كل عاقل؛ حتى تولّدت قواعد حضارية، ومنها «كل إنسان مؤتمن على دينه»، وقاعدة «لا إنكار فى المختلف فيه».
(3) فتح التعليم الأزهرى باب الاجتهاد والتجديد أمام طلابه عن طريق رسائل الماجستير والدكتوراه وأبحاث الترقية والمؤتمرات والحلقات النقاشية وتشجيع التأليف القائم على مناهج الاستنباط السليمة، التى تحفظ مقاصد الدين وتُظهر مرونته فى التطبيق لكل زمان ومكان، فقد أخرج أبوداود بإسناد صحيح عن أبى هريرة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها».