«كوب 27» والصنفرة السياحية

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

فى عز أيام السياحة الوافدة إلى مصر فى عقود ما قبل يناير 2011 كان هناك اعتقاد راسخ أن مصر بما لديها من شواطئ وآثار وطقس وأماكن خلابة وطبيعة ثقافية متفردة تستحق أعداداً أكبر بكثير وعوائد أعلى بمراحل مما كان عليه الحال. وتغير الحال وتبدلت الظروف بعد يناير 2011، وتواترت أحداث وحوادث يعلمها الجميع أفقدتنا الجانب الأكبر من هذه الأعداد والعوائد. وما أن بدأنا نلتقط أنفاسنا وبدأت البشائر تعود من جديد حتى هبط «كوفيد-19» على الكوكب ليعيدنا إلى المربع صفر.

حالياً، أوضاع الكوكب لم تعد إلى طبيعتها، لكنها ليست صفراً. حركة السياحة والسفر بدأت تستعيد عافيتها فى بقاع شتى فى العالم. ونحن على أحر من الجمر لاستعادة جانب مما كنا عليه. ولكن لا يخفى على أحد أن قوتنا ومواردنا وكوادرنا البشرية الشعبية فى حاجة ماسة إلى عمليات «صنفرة» عاجلة. وهى «صنفرة» لا بد منها لإزالة الشوائب العالقة والجزيئات الضارة التى تكونت عبر عقود، ولكن تفاقمت خلال عقد مضى حتى أصبحت لصيقة بكثيرين.

الكثيرون يتداولون قصصاً وحكايات عن تجارب مر بها وتعرض لها سائحون وقبلهم سائحات تستوجب الانتباه والخروج بنتيجة مفادها أن «الصنفرة» حان وقتها وأنها تأخرت كثيراً. إطلاق أيادى وحناجر وأفكار «السلفيين» فى دوائر شعبية عدة ومنصات الـ«سوشيال ميديا» بعيداً عن المنابر والشاشات التليفزيونية والدهاليز الرسمية نجم عنه مزيد من إغراق شعبى فى التطرف والتشدد يسمونه «التزاماً».

بالطبع هذا «الالتزام» لا علاقة له بالتحرش أو النصب متناهى الصغر فى الأسعار أو الاحتيال متعدد المناحى، كما أنه التزام لا يتعارض وبيع البضاعة المضروبة أو إلقاء القمامة والبصق فى الشارع أو الاستيلاء على الرصيف أمام المحل أو وضع كتل خرسانة لحجز أماكن السيارات أمام العمارات أو السير عكس الاتجاه أو القيادة الجنونية التى تحصد الأرواح باستمرار، إلى آخر تفاصيل حياتنا اليومية. فهذه نقرة وتلك أخرى.

نقرة «الصنفرة» التى نحتاجها -إن نحن أردنا أن تقوم لنا قومة فى السياحة وأن نحصل ولو على 50 فى المائة مما تستحقه بلادنا من العوائد- هى صنفرة الأمخاخ التى لا ترى مشكلة فى التحرش بسائحة، أو مضايقة مجموعة من السياح بالإصرار على المشى معهم أو توجيه أسئلة أسخف من السخافة لهم، أو الاعتداء على خصوصيتهم بالنظر ورفع مقاسات أجسادهم وأجسادهن بلا حياء أو خجل. والصنفرة العاجلة تنطبق أيضاً على أولئك الذين تم حشو أدمغتهم بفكرة أن إقناع سائحة بالإسلام أو إجبار أخرى على ارتداء «طرحة» والتقاط صورة لها وهى «وجهها منور بنور الدين»، وغيرها من الأفعال العجيبة الغريبة. ولا يخفى على أحد أيضاً أن «الخطاب الدينى» الذى شاع فى مصرنا العزيزة لعقود، لا سيما ذلك المنتعش المزهزه خلف الأبواب المغلقة وعلى منصات الـ«سوشيال ميديا» يعتبر السياحة حراماً والسياح حراماً والعمل فى السياحة حراماً وكله حرام فى حرام، ولكن بدرجات متفاوتة. ولا يمكن اعتبار الشاب الذى يعمل فى مجال السياحة وهو متأفف لأنه مضطر ولأن «شيخه» أو من نقل عن شيخ ما فى مكان ما فى وقت ما أنه قد يستمر فى عمله ولكن من باب «ضرورات تكاليف الحياة تبيح محظورات العمل فى السياحة».

صديقة ابنتى التى قدمت لزيارتنا من أستراليا خرجت بنتيجة مفادها: مصر جميلة، الساحل حلو، دهب رائعة، كايرو نو ثم نو ثم نو. لماذا «نو»؟ لأنها تعرضت للتحرش، إن لم يكن بالتعليق واللمس، فبالنظر المتفحص المتأمل المتمحص. ولأنها تعرضت لكم مذهل من السخافات اللزجة: «لن أبيع لك ورقة البردى إلا إذا التقطنا صورة معاً بالموبايل، تتجوزينى وأروح معاكى أستراليا وأخليكى تسلمى وأكسب فيكى ثواب؟»، والقائمة طويلة. لكن أبرزها فى الحقيقة محاولة أحدهم الدؤوبة والمستمرة ليبيع لها قطة من قطط الشارع لمجرد أنها وقفت لتطعمها.

لا أظن أن مثل هذه التجارب والحكايات سيكذبها أحد. بل لن يلتفت إليها كثيرون. لماذا؟ لأنها صارت عادية ومتوقعة. وحين تصير تجارب كتلك عادية ومتوقعة للسائح، فإن التفكير فى عودة السياحة يظل حلماً على ورق.

«كوب 27» أو «قمة المناخ» التى ستنعقد فى شرم الشيخ الشهر المقبل تحمل لنا فرصاً ذهبية متعددة. وكما ذكرت فى مقالات سابقة «كوب 27» مناسبة رائعة لنبدأ مسيرتنا فى التوعية البيئية والمناخية بعد عقود من اعتبار قضايا البيئة والمناخ «كلام فاضى» أو حكراً على المؤتمرات أو شكلاً من أشكال الرفاهية. وذكرت فى مقال سابق أكياس البلاستيك التى نستهلك منها ما يكفى الكوكب ويفيض. لكن «كوب 27» يقدم لنا فرصة رائعة للبدء الفورى فى الصنفرة لإزالة ما علق بنا من عجائب الخطاب الدينى السبعيناتى المتوارث وغرق البعض منا فى «التزام» المظهر وانفلات الجوهر.