عندما رفض «بايدن» أن تكون روسيا إرهابية!

أميرة خواسك

أميرة خواسك

كاتب صحفي

لم يكن قرار الولايات المتحدة الذى اتخذه الرئيس جو بايدن مؤخراً برفض تصنيف روسيا كدولة راعية للإرهاب يأتى عن اقتناع، أو لاتخاذ خطوة إيجابية لتحسين العلاقة بين البلدين الكبيرين، ولكنها لغة القوة التى أجادت الدولة الروسية استخدامها، وهى صاحبة اليد العليا فى امتلاك أدواتها التى تحسن استخدامها جيداً.

من جانبها لم تناور «واشنطن» كثيراً، فقد أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، أن تصنيف روسيا دولة راعية للإرهاب قد يؤخر صادرات الغذاء ويهدد اتفاقات نقل البضائع عبر البحر الأسود.

تلك إذاً لغة واضحة وصريحة، هى لغة المصلحة التى تجيدها الولايات المتحدة جيداً، وتتبعها دون أية مواربة، وقد استطاعت روسيا التعامل معها ومع أوروبا من نفس المنطلق، فكان هذا المأزق العالمى الذى نعيشه اليوم بين شقى رحى الموقف الروسى الذى يصر على تأمين عمقه الاستراتيجى بالسيطرة على مساحة آمنة من أوكرانيا ومنع دخولها الاتحاد الأوروبى، وبين تورط الولايات المتحدة وأوروبا فى موقف كشف ضحالتهم السياسية والاستراتيجية واحتياجهم الشديد لروسيا.

منذ عدة أشهر وبعض النواب الأمريكيين فى الحزبين الديمقراطى والجمهورى يضغطون من أجل وضع روسيا على قائمة الدول المصنفة كراعية للإرهاب، وقد نجحوا منذ شهر تقريباً حين وافق مجلس الشيوخ الأمريكى على قرار يدعو وزارة الخارجية إلى اعتبار روسيا دولة راعية للإرهاب، وقد باء هذا القرار بالفشل بإعلان الرئيس الأمريكى مؤخراً رفضه لهذه الفكرة، وأن الولايات المتحدة لن تصنف روسيا كراعية للإرهاب رغم ضغوط الرئيس الأوكرانى والنواب الأمريكيين.

فى المقابل، كانت المتحدثة باسم الكرملين، ماريا زخاروفا، قد هددت بأن اتخاذ مثل هذه الخطوة سيؤدى إلى قطع العلاقة الدبلوماسية بين البلدين، وأن روسيا مستعدة لأى تطور فى المواقف الأمريكية.

هذا هو نموذج واضح ومجسد للغة القوة التى تجيدها روسيا، وتعرف كيف تتعامل بها فى مواجهة السياسة الأمريكية التى عانت منها روسيا وعانت منها أيضاً دول عديدة فى العالم أجمع، من تلك الغطرسة والانفراد بالقوة والقرار، والتدخل فى شئون الدول الأخرى؛ كبيرة كانت أم نامية أو حتى صغيرة، وكلها تحت عبارات رنانة مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وامتلاك مواد نووية، وغيرها من الأكاذيب التى أطلقتها الولايات المتحدة من أجل تفتيت العالم والتدخل فى سياسات الدول للسيطرة عليها!

ما تفعله روسيا هو حال الدول الكبرى التى تمتلك قوتها بيدها وغذاءها وسلاحها، حال الدول التى تمتلك قرارها ويتوحد شعبها وراء قناعته بأمنه، الحرب الروسية - الأوكرانية أسقطت كل دعاوى الولايات المتحدة التى تساند بها أوكرانيا وتضغط بها على أوروبا، التى سيقتلها البرد هذا الشتاء من أجل الخضوع لأمريكا، ستسقط حكومات وتزول زعامات وتتغير قوى كثيرة، وتنكشف حقائق أكثر، لنكتشف معها ونتأكد أن الشعوب التى لا تمتلك العناصر الأساسية للحياة تصبح نهباً للكبار، وأن الدول التى لا تعتمد على غيرها هى التى تحيا وتقوى وتواجه. وهذا هو الدرس الأهم من تلك الأزمة الكبرى.