روابط مصر - العراق ليست وليدة اللحظة

لينا مظلوم

لينا مظلوم

كاتب صحفي

لم يكن اهتمام القيادة السياسية فى مصر وليد اللحظة.. مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى التواصل فوراً مع الرئيس العراقى برهم صالح، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمى، إثر اندلاع المشاهد المؤلمة التى اجتاحت شوارع العاصمة بغداد الاثنين الماضى، تحمل عدة أبعاد ودلالات تعكس رؤية سياسية حكيمة عن دور العراق الأساسى فى منظومة الأمن القومى العربى، بالإضافة إلى أهمية تحقيق التهدئة فى المنطقة فى ظل كل التهديدات التى تواجه السلام الدولى. منذ 2014 حددت سياسة مصر الخارجية ملامح واضحة تجاه احترام إرادات ومصالح الشعوب العربية، والمضى فى كل المسارات التى تحقق هذا الهدف. بالتالى مصر بقيادة الرئيس السيسى تولت المبادرة لخلق تكتل دعم عربى للعراق فى إطار التحولات الإقليمية والدولية التى تلقى ظلالها على المنطقة.. حتى إنى ذكرت فى جميع الحوارات الإعلامية أن 2021 هو بجدارة عام العلاقات المصرية - العراقية؛ لما شهده من ازدهار العلاقات بين الدولتين على مختلف الأصعدة سواء السياسية أو الاقتصادية، بعد كل الآثار السلبية التى خلقها غياب العراق عن الساحة العربية منذ 2003، خصوصاً وهو يحتل ركناً رئيسياً فى ترسيخ الأمن القومى العربى نتيجة موقعه الاستراتيجى وثرواته الطبيعية. مقابل هذا الدعم، تكثفت جهود سياسية ودبلوماسية من طرف «الكاظمى» لوضع مشروع وطنى عربى يهدف إلى إعادة العراق بقوة إلى دوره المسلوب من 2003. موقف القيادة السياسية المصرية جاء فى صدارة الداعمين لجهود «الكاظمى» فى نهج يتسق مع مسار دبلوماسية السياسة الخارجية التى تبنتها والعمل على احتواء وتهدئة مناطق الصراع الطائفى الذى أشعلته أطماع إقليمية بالتنسيق مع منظمات تكفيرية وجدت فى حالة الفراغ الأمنى والسياسى الذى خلّفه الغزو الأمريكى للعراق أرضاً خصبة لإثارة الاقتتال بين الطوائف والمذاهب التى تشكل النسيج المجتمعى العراقى، خصوصاً مع هيمنة كتل سياسية فاسدة هبطت على السلطة فى العراق بكل أجنداتها التى انحصرت فى خدمة أطماع إقليمية وتمكنت من السيطرة على المشهد السياسى والأمنى فى العراق دون أن تقدم هذه الأحزاب أى مشروع سياسى لصالح العراق وشعبه حتى تولى «الكاظمى» منصب رئاسة الوزارة منذ عامين، والمعروف أنه يقف خارج معادلات المحاصصة الحزبية بحكم عدم انضمامه إلى أى حزب أو كتلة سياسية حتى قبل توليه المنصب.

دعماً لتردى الأوضاع الاقتصادية فى العراق.. شهدت الأعوام الماضية إطلاق مجموعة شراكات واتفاقيات تجارية بين مصر والعراق، تحديداً فى ملفات الطاقة، إعادة الإعمار، الاستفادة من الخبرات المصرية فى كل هذه المجالات.. من أبرز إنجازات التقارب اتفاقية النفط مقابل الإعمار التى وقعت عام 2020، كما تحول التقارب إلى قاعدة صلبة عبر لقاءات ومتابعة وزراء ووفود من كبار المسئولين لسرعة إنجاز الاتفاقيات المبرمة.

أبرز دلالات قوة الدعم المصرى للعراق ظهرت فى حضور الرئيس السيسى القمة الثلاثية التى عقدت فى بغداد يونيو 2021 بمشاركة ملك الأردن عبدالله بن الحسين، والتى شهدت تشكيل حلف اقتصادى.. لتأتى الزيارة الثانية بعد شهر واحد فى قمة بغداد للتعاون والشراكة.. ما يستدعى الملاحظة أن مشاركة الرئيس السيسى لم تقتصر على أطر البروتوكول لعدة اعتبارات.. احتواء الدور الإقليمى وتطويعه كعامل لحل أزمات العراق المتجذرة بدلاً من كونه طرفاً فى إثارة الاضطراب على أراضيه، دعم مصر استعادة العراق دوره العربى كعامل فى استقرار المنطقة، وهو ما انعكس بوضوح فى التواصل المستمر بين الرئيس السيسى والكاظمى، خصوصاً وقد تضاعفت أهمية عودة العراق لدعم منظومة الأمن القومى العربى فى أجواء صراعات ونذر حروب أصبحت تهدد السلام العالمى. كلمة الرئيس السيسى فى القمة كان لها وقع مميز كشف عن استشراف للمشهد السياسى فى العراق ودراية تامة بهموم المواطن العراقى.

أمنياً وسياسياً، لم يغب عن مصر منذ 2014 أهمية عودة دور العراق الذى شكل عبر التاريخ مع مصر وسوريا أضلاع الأمن القومى العربى.. من جهة أخرى، الأيام المقبلة تضع العراق أمام مفترق طريقين.. الاستقرار أو الفوضى العارمة، خصوصاً أن بعض الكتل السياسية المرفوضة شعبياً لا يروق لها خروج «الكاظمى» منتصراً، بل عمدت وفق أجنداتها الإقليمية إلى إغراق العراق فى أزماته الخانقة وعرقلة عودته إلى المجتمع الدولى.