اتكلم براحتك.. هواجس الخيانة الزوجية

كتب: رنا حمدي

اتكلم براحتك.. هواجس الخيانة الزوجية

اتكلم براحتك.. هواجس الخيانة الزوجية

الآن فقط أستطيع الاعتراف بأننى جبان، ما كنت أظنه هواجس تلاحقنى فى لحظات الشك.. أصبح واقعاً يحاصرنى، وما كنت أعتبره شائعات أصبح حقيقة أراها بعينى، وما كنت أظنه اتهاماً أصبح جريمة مكتملة الأركان، لم يعد ينقصنى دليل على خيانتها، ولم يعد يفصلنى عن الانتقام لشرفى سوى خطوات، ورغم ذلك.. اخترت أن أنسحب من المشهد فى هدوء.

«أنت رجل جبان»، كانت هذه هى الجملة الوحيدة التى تسيطر على ملامح صديقى، خلال جلستنا على المقهى لأكثر من ساعة، ظل يستدعى ذكرياتنا القديمة. كان يتحدث دون أن ينظر لى، وكنت أتجنب النظر إلى وجهه، لكننى حين تجرأت وصوّبت بصرى إلى عينيه.. شاهدت الكلمات وكأنها وشم محفور على صورتى المحبوسة بين جفنيه، الجميع يتهموننى بالضعف، لم يعد هناك مبرر لحالة الإنكار التى أدمنتها فى السابق، أستطيع أن أواجه الحقائق رغم قسوتها، أصبح بإمكانى أن أرى الأقنعة الزائفة التى يرتديها من حولى لإخفاء تهمة الضعف التى تلاحقنى. «أنت رجل بطل»، هكذا قال لى الطبيب النفسى، قالها دون أن ينظر إلى وجهى رغم أنه لم يدون شيئاً فى دفتر الملاحظات المستلقى على قدميه، وقتها توقفت قليلاً عن الحكى، لأننى تذكرت الممرض الذى حجز لى موعد هذه الجلسة، قال لى بثقة قبل أن يضع ثمن الكشف فى درج المكتب دون أن يعيد لى الباقى.. «أنت هتخرج من هنا إنسان تانى».

«أنت رجل محترم» لم تنجح الحكايات الكثيرة التى نسجها سائق التاكسى فى إثارة فضولى، لكن هذه الجملة أصابتنى بالرعب. حاولت التحقق من ملامحه، لا أتذكر أننى شاهدته من قبل، ربما كانت جملة عابرة، لكن لماذا توقف عن الكلام.. ولماذا ينظر الآن للرجل المطل من شرفة المنزل المقابل لنا؟ هل يعرف أنه والد زوجتى الخائنة.

«لو هختار لى ابن هختارك أنت»، هكذا قالت حماتى وهى تقدم لى كوب الشاى، ظلت تتحدث عن انطباعاتها خلال زيارتى الأولى لهذا المنزل، لا أتذكر عدد السنوات التى مرت على هذا اللقاء، لكننى أتذكر أننى جلست على نفس المقعد، وكان «حمايا» وحماتى يجلسان بالمقعدين المتجاورين عن يمينى، وقتها كان «حمايا» يتحدث بعفوية، لم تكن كلماته مرتبة بفعل الفرحة، قال لى أريدك أن تكون ابنى وسندى، الآن يتكرر المشهد، والفارق أن حماتى تتحدث، بينما «حمايا» يثبت عينيه داخل كوب الشاى، دون أن يصدر أية إشارة توحى بأنه يشعر بوجودنا.

«أنت رجل جبان»، هكذا قلت لنفسى حين أدرت ظهرى لمشهد الخيانة، وقررت مغادرة المكان مسرعاً، وكأننى أخشى أن تشاهدنى زوجتى، لقد ذهبت إلى مسكن والدها، كنت أرغب فى رؤية أولادى، لكننى أخشى أن تقع عيونهم على الكلمات الكثيرة التى طبعتها نظرات الناس على وجهى، لذا قررت الانتظار فى أحد أركان الشارع، وظللت أنتظر، لكن بدلاً من أن يظهر الأولاد.. ظهرت زوجتى، كانت فى كامل زينتها، تجلس داخل سيارة، تتبادل الكلمات مع من يقودها، كان وجهها يكتسى بملامح عاشقة، أستطيع أن أسمع صوت ضحكاتها من مكانى البعيد، لماذا تستمر فى خيانتها.. حتى بعد انفصالنا.

«إنت اتجننت» هكذا أقول لنفسى حين تهاجمنى فكرة الرجوع لزوجتى، حين أشعر بالضعف أمام كلام المقربين «إنت هتسيب لها شقى عمرك»، وحين تلاحقنى كلمات «حمايا»: «العيال ذنبهم إيه»، وحين تتساقط على مسامعى جمل زملائى: «إنت كده بتخسر شغلك»، الجميع يتحدثون.. يشخّصون المشكلة ويحددون الحلول، ولحسن حظى أنه لا أحد يسألنى عما أشعر به، لأننى لا أعرف.

أصبحت أفضل البقاء فى غرفتى، تماماً كما كنت أفعل فى طفولتى كنوع من إعلان الاعتراض على ما يدور خارجها، لم يعد يعنينى الاحتفاظ بوظيفتى فى الشركة، ولا يمكننى العودة لعالم الغربة، لن أستطيع مواجهة مديرى حين يسألنى عن سبب عودتى السريعة، أعترف أن انشغالى بالتفتيش فى الماضى يحرمنى من البحث عن المستقبل، ليست لدىّ رغبة فى الانتقام، لكننى أسأل سؤالاً واحداً: لماذا طلبت منى العودة.. وكيف لم أنتبه لخيانتها طوال هذه السنوات؟

«لو قتلتها هحكم على أولادى بالإعدام»، هكذا قلت لنفسى وأنا أغادر مسرح الخيانة، أدرت ظهرى للسيارة التى تجلس داخلها، حيث قررت الانسحاب فى هدوء. أعرف أن عارها سيلاحقنى، لكن قتلها سيجعله يلاحق أولادى، خيانتها صفحة سوف تُطوى بفعل الزمن، لكن قتلها سيمنح سيرتها شهادة ميلاد تحاصرهم وتحاصرنى طوال حياتنا.

(م.ع) زوج مخدوع 

الرد

يا صديقى.. رسالتك أصابتنى بالارتباك، كلماتك التى تنزف ألماً.. ترتقى بك إلى منزلة الشجاعة فى مواجهة المحنة، وقرارك بالانسحاب من حياة زوجتك سلوك يستحق الإشادة لأنه انتصار للعقل فى مواجهة رغبة الانتقام، ومبادرتك للاستعانة بطبيب نفسى بحثاً عن علاج لروحك المهزومة.. يعكس مدى ما تتمتع به من ثقافة ووعى يستحقان الاحترام. لكن.. يا صديقى رسالتك تحمل الكثير من المساحات الغامضة، تتحدث بيقين عن جريمة خيانة، وكل ما ذكرته مشهد عابر لامرأة تضحك داخل سيارة، فهل هذا هو دليلك الوحيد؟

يا صديقى.. لن أنصحك بالتركيز فى عملك أو استعادة ثمن غربتك، بل أنصحك بأن تبقى فى غرفتك قليلاً، وأن تتحدث إلى روحك، وتبوح لها بما لم تدونه فى رسالتك، واعلم أن صدقك مع نفسك هو طريقك للنجاة أو الغرق.

يا صديقى.. فى مثل هذه المحن عليك أن تتحرر من القيود التى تحول بينك وبين التعافى، عليك أن تثق فى قدرتك على تجاوز الأزمة، وأن تدرك أنك لست مديناً لأحد بتبرير ما يعتقد أنه خطأ أو صواب، لقد اخترت أن تكون طبيب نفسك، وجلساتك مع الطبيب النفسى خطوة مهمة لتستعيد ثقتك المهدرة.

سيد المليجى

--------------------

بالتأكيد يصلنا صوتك حني تتكلم أو تشكو أو تعترض.. ربما تحتاج أن تأخذ القرار.. أن تتكلم بالفعل.. تبوح وتفضفض، وتفتح قلبك لتزيح عنه ما يجثم عليه فيتعبك، ويحرمك من الاستمتاع باللحظات الحلوة.. ضع حملك الذى أنقض ظهرك.. ً في الفضاء الواسع.. دورنا هو أن نأخذ بيدك لتتجاوز المطبات، وتعبر بر الأمان، واترك لروحك العنان حتى تحلق خفيفةً دائما وحتى لو تعثرت وسقطت، فواجبنا أن نساعدك على النهوض نافضين عن ثوبك كل ما علق به من الأتربة.. وتذكر أن العمر قصير، والسنوات كالثيران الهائجة.. تنطلق بلا توقف، فعشها كما ينبغي، وكما تريد أنت، لا كما يريد لك الآخرون.

ارسلوا إلينا آراءكم ومشاكلكم على البريد الإلكتروني:

com.elwatannews@elwatan.bareed أو على عنوان جريدة «الوطن»: 16 ش مصدق - الدقي


مواضيع متعلقة