ماذا يعنى اختيار اللواء خالد فوزى رئيساً لجهاز المخابرات العامة؟!

مصطفى بكرى

مصطفى بكرى

كاتب صحفي

أثار اختيار اللواء خالد فوزى رئيساً لجهاز المخابرات العامة المصرية حالة شديدة من الارتياح لدى أعضاء الجهاز، ولدى مؤسسات الدولة المصرية فى الوقت الذى أثار فيه حالة من الانزعاج الشديد لدى جماعة الإخوان، ظهرت فى تحليلات بعض عناصرهم «سيف عبدالفتاح» وآخرين، فى أعقاب قرار الرئيس السيسى، اختيار اللواء خالد فوزى فى هذا المنصب الرفيع. واللواء خالد فوزى كان مديراً لمكتب المخابرات العامة بالإسكندرية ثم رئيساً لجهاز الأمن القومى خلفاً للواء جلال فتح الله الذى تولى هذا المنصب خلال ثورة 25 يناير، ثم عُيّن منذ ثلاثة أشهر فى منصب مساعد رئيس المخابرات العامة لشئون الأمن القومى. ويُعد اللواء خالد فوزى واحداً من أهم رجالات الجهاز، حيث لعب دوراً مهماً فى رفض أخونة جهاز الأمن القومى والمخابرات العامة فى فترة حكم الإخوان، كما سعى إلى الحد من تدخلهم فى العديد من المواقع التنفيذية والأمنية الأخرى. وكان اللواء فوزى واحداً من أهم الشخصيات المطلوب اعتقالها فى الأسبوع الأخير الذى سبق ثورة 30 يونيو، إلا أن تصاعد الأحداث حال دون تنفيذ هذا المخطط الذى استهدف العديد من القيادات الرئيسية، ومن بينها الرئيس السيسى نفسه، الذى كان فى هذا الوقت يتولى منصب وزير الدفاع.. وقد ورد اسم اللواء خالد فوزى أكثر من مرة فى اجتماعات مكتب الإرشاد، حيث اعتبره خيرت الشاطر من أشد المعادين لخطط الإخوان، وقال إنه سعى إلى عرقلة الكثير من هذه الخطط، ومن بينها محاولات اعتقال العديد من الإعلاميين والشخصيات المهمة فى البلاد، وحمّله مسئولية تحريض الإعلاميين ضد حكم جماعة الإخوان. وقد أثار قرار الرئيس السيسى باختيار أحد أبناء جهاز المخابرات لتولى منصب رئيس الجهاز حالة من الارتياح الكبير، ذلك أن دلالات هذا القرار كانت بمثابة رد اعتبار لضباط الجهاز للأسباب التالية: - إن الجهاز، ومنذ إنشائه فى الخمسينات لم يتولَ رئاسته أحد من أبنائه سوى اللواء رأفت شحاتة خلفاً للواء مراد موافى، حيث كان نائباً أول لرئيس الجهاز، فقرر محمد مرسى اختياره كرئيس للجهاز بهدف إبعاد اللواء موافى فى أعقاب حادث رفح فى 5 أغسطس 2012، ولذلك فإن اختيار اللواء خالد فوزى يعد الاختيار الثانى من أبناء الجهاز، من بين 20 رئيساً للجهاز منذ تأسيسه، وهو ما يعكس ثقة الرئيس فى أعضاء جهاز المخابرات العامة، وهو أمر ترك انطباعاً إيجابياً لدى أعضاء الجهاز. إن اختيار اللواء خالد فوزى بعد دوره المعروف فى حماية الجهاز من خطر التغلغل الإخوانى وحرصه الشديد على الأمن القومى ودوره فى المرحلة الانتقالية التى أعقبت ثورة الثلاثين من يونيو، جاء ليؤكد أن اختيارات الرئيس السيسى لا تخضع فقط لمعايير الكفاءة والنزاهة، وإنما أيضاً لمعايير الجرأة فى مواجهة وحماية ثوابت الدولة الوطنية. - إن اختيار اللواء خالد فوزى هو أيضاً رد اعتبار لجيل الوسط فالرجل لم يبلغ الستين من العمر بعد، وهو خريج الدفعة 70 بالكلية الحربية، وهى ذاتها دفعة اللواء عباس كامل مدير مكتب الرئيس، أما الرئيس السيسى فهو خريج الدفعة 69 حربية. - إن الرئيس السيسى فى اختياره للواء خالد فوزى لمنصب رئيس المخابرات العامة كان نتاج تجربة طويلة، حيث كان «الرئيس السيسى» قائداً للمنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية وقت أن كان اللواء خالد فوزى مديراً لمكتب المخابرات العامة بالإسكندرية، قبل توليه منصب رئيس جهاز الأمن القومى. إن اللواء خالد فوزى معروف لدى زملائه، وكل من تعامل معهم بأنه شخص غير «روتينى»، بل يحلو للبعض أن يطلق عليه «ابن بلد» بسبب تفاعله المستمر مع قضايا المجتمع، بعيداً عن الروتينيات والرسميات، كما أنه يتميز بحميمية شديدة فى علاقاته مع أعضاء الجهاز ومع الآخرين. ومنذ الإعلان عن اختياره لهذا المنصب راحت العديد من الجهات المعنية تسأل عن شخصية الرجل الذى لم يظهر على الإطلاق فى وسائل الإعلام، غير أنهم بالتأكيد سيدركون بعد حين أنهم أمام شخصية لها حضورها ووعيها بالمخاطر والمخططات الدولية والإقليمية التى تحاك ضد مصر. لقد جاء اختيار اللواء خالد فوزى فى هذا المنصب السيادى المهم، ليعطى دلالة جديدة على أن معايير الاختيار لدى الرئيس السيسى، التى تمثلت حتى الآن فى اللواء أحمد جمال الدين ود. فايزة أبوالنجا واللواء خالد فوزى لتعطى مؤشراً على أن معايير الاختيار تنطلق من أسباب موضوعية وحرص على ترسيخ مفاهيم محدّدة فى خارطة الأمن القومى المصرى. وسيكون أمام رئيس جهاز المخابرات العامة الجديد العديد من القضايا المهمة والحيوية فى الفترة المقبلة، أبرزها ملفات الوضع الفلسطينى، فى ضوء الأزمة الراهنة فى مجلس الأمن، وأيضاً ملف قطر وتركيا، فى ضوء التطورات الجديدة، وأيضاً ملف الإرهاب الخارجى الموجّه ضد مصر. لقد وعد الرئيس السيسى فى خطابه الذى أعلن خلاله الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية فى 26 مارس من العام الماضى، بإعادة الأمن والاستقرار وهيبة الدولة إلى وضعها الطبيعى فى إطار السعى إلى بنائها على أسس القانون والديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان، ولذلك تأتى هذه الاختيارات وفق هذه المنظومة التى يسعى الرئيس إلى ترسيخها على أرض الواقع. وإذا كانت مصر تبدو فى الفترة الراهنة، كالمريض الذى تم إنقاذه ويعيش «فترة نقاهة»، فإن الإسراع بعودة الدولة المصرية لتمارس مهامها الطبيعية والوظيفية يحتاج إلى نوعية محدّدة من الرجال. إن من يتابع نهج الرئيس السيسى منذ توليه مهام رئاسة الجمهورية يدرك أننا أمام رئيس «استثنائى» أمام حالة «استثنائية» يعيشها المجتمع، وهو أمر يدفع به كثيراً، إلى رفض التقليدية فى الأداء، ومطالبة المسئولين التنفيذيين بسرعة الإنجاز وقلة التكاليف، وهو أمر لا يستهدف فقط الإلزام، وإنما أيضاً ليكون سلوكاً يلتزم به الجميع فى مسيرة إعادة بناء الدولة الوطنية الحديثة. من هنا يمكن فهم دلالة ومعنى اختيار اللواء خالد فوزى رئيساً لجهاز المخابرات العامة، فالاختيار يحمل أكثر من معنى، ويعطى أكثر من رسالة.