الحوار الوطنى.. صيغة سياسية جديدة..!
منذ أن أطلق السيد الرئيس دعوته للحوار الوطنى فى نهاية شهر أبريل الماضى من خلال إفطار الأسرة المصرية والجميع ينتظر ما سيقدمه وما سيدور فيه من نقاشات، بل وما سيصدر عنه من توصيات شاركت فيها كل القوى السياسية والحزبية على أرض هذا الوطن.. كثيرون يتربصون بالدعوة باعتبارها غير حقيقية ولن تنتج ما يُرضى الجميع.. والأكثر مَن توسّم فيها الخير بشكل كبير واستعد للمشاركة فيها.. يبدو حجم الجدل الدائر حولها من عدد المشاركات التى وصلت للأمانة العامة لها خلال الفترة السابقة، والتى تجاوزت توقعات الجميع.. الكل بات ينتظر انتهاء كل جلسة لمجلس الأمناء ليتعرف على ما انتهت إليه.. وما ينوى المجلس عمله فى الفترة المقبلة..!
مشاركات عديدة تمت من القوى السياسية وممثلى الأحزاب بل والمواطنين العاديين الباحثين عن حل لمشكلات يواجهونها أو يملكون حلولاً يمكن أن تساعد فى عبور الأزمات التى تمر بالوطن..!
تجربة ثرية وفريدة من نوعها لا شك فى هذا.. ففكرة أن يدعو النظام السياسى كل الأطياف لحوار شامل فى كل المجالات هى فكرة تتسم بشجاعة كبيرة.. وتدل بشكل واضح على ثبات الدولة ورسوخ أقدامها.. فلا شىء يمكن إخفاؤه ولا هدف لدى النظام الحاكم إلا مصلحة هذا الوطن.. تلك هى الرسالة الرئيسية التى أعتقد أنها خرجت منه حتى الآن..!
والحقيقة أنه ليس الحوار الوطنى وحده هو ما يدور الآن على أرض هذا الوادى الطيب.. فالكثير من الحوارات التى لا يمكن نزع الوطنية عن وصفها يتم عقدها وسماع آراء المشاركين فيها بكل جدية وإخلاص..!
أحد هذه الحوارات تلك الجلسات التى يعقدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء حول وثيقة سياسة ملكية الدولة.. تلك الوثيقة التى أطلقها السيد رئيس الوزراء منذ شهر أو يزيد وطلب عقد حوار مجتمعى حولها باشتراك الخبراء فى كافة المجالات للوصول إلى صيغة موحدة يمكن التعامل من خلالها فى هذا الملف..!
أفضل ما أنتجته تلك الجلسات الحوارية هو التوصل إلى تعريف واضح لمفهوم «الدولة» نفسها.. ففكرة أن تحظى الحكومة بالملكية والإدارة بل والمراقبة هى فكرة عفا عليها الزمن، فالدولة بالمفهوم الحديث هى كيان ينظم العقد الاجتماعى ويضمن الحقوق ويراقب أداء الجميع لتنظيم العلاقة.. بالإضافة إلى دورها فى توفير الخدمات العامة ذات الأهمية الاستراتيجية وعلى رأسها الصحة والتعليم..!
سعدت كثيراً بأننى حظيت بشرف المشاركة فى إحدى تلك الجلسات الحوارية التى كانت تختص بملف الصحة.. لم أكن أتوقع أن أجد مَن يستمع لكافة الأطياف بهذا الشكل وهذه الدرجة من الاهتمام.. لقد كان الجميع حريصين على أن يستمعوا لبعضهم.. أن يناقشوا ويختلفوا ويتفقوا.. هكذا تتشكل الآراء فى رأيى.. وهكذا تُتخذ القرارات فى الدول التى تسعى للنهوض.
الأمر يبدو وكأن الحوار قد أصبح صيغة موحدة فى كل أنحاء الوطن.. وأن الشفافية باتت أسلوب حكم وليست فضيلة يمكن منحها أو الاستغناء عنها لأى سبب!
تغير المفاهيم فى تعامل النظام السياسى مع المشكلات المختلفة ينبغى تثمينه بشكل كبير.. وإشراك الجميع فى حوارات متعددة هو وسيلة فعالة للتوصل إلى صيغة سياسية مرضية للجميع.. أو هكذا أعتقد!