«النصر للسيارات».. حلم «عبدالناصر» الذى يقاوم التصفية والتخريب

كتب: عبدالفتاح فرج

«النصر للسيارات».. حلم «عبدالناصر» الذى يقاوم التصفية والتخريب

«النصر للسيارات».. حلم «عبدالناصر» الذى يقاوم التصفية والتخريب

لافتة ضخمة خضراء اللون مكتوب عليها «شركة النصر لصناعة السيارات»، تعلو بوابة متسعة وهادئة لا تخلو من أفراد الأمن تجاور محطة مترو وادى حوف بالخط الأول للمترو، تغلق البوابة الحديدية مصراعيها على مكان عتيق تشع منه رائحة الوطنية والأمجاد، شاهد عيان على إنجازات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى مجال الصناعة الثقيلة، إنه مقر شركة النصر لصناعة السيارات الذى تم فيه صناعة أول سيارة مصرية، إنه حلم المصريين الذى بدأ فى الستينات وازدهر فى أوائل الثمانينات حتى تمت تصفيته وإغلاقه فى أواخر عهد «مبارك» ضمن برنامج التخلص من المصانع الوطنية العملاقة قبل أن تنقل ملكيتها إلى الشركة القابضة للصناعات المعدنية. تمتد مصانع الشركة على مساحة 114 فداناً، يجاورها من الشمال مصنع الشركة الهندسية للسيارات الذى كان يتبع «النصر» قبل قرار إغلاقها، ويفصل بينهما سور طويل، يوجد بجواره تمثال وصورة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر باعتباره صاحب هذا الإنجاز؛ حيث تم تدشين الشركة العملاقة فى عهده عام 1960 بمساهمة من الاتحاد السوفيتى ودول الكتلة الشرقية بوادى حوف. وتضم الشركة 4 مصانع رئيسية هى: مصنع المكبوسات، ومصنع الأجزاء والتروس والمعاملات، ومصنع هندسة العدد، ومصنع سيارات الركوب، بالإضافة إلى خط «الإلبو» (حماية جسم السيارات من الصدأ). وتقدَّر قيمة الشركة الإجمالية بأكثر من 12 مليار جنيه، ويبلغ عدد عمال الشركة الحاليين حوالى 240 عاملاً، موزعين على جميع أقسام الشركة، أغلبهم من كبار الفنيين الذين أفنوا عمرهم وصحتهم فى خدمة الشركة وتحولوا إلى خفراء ومديرى مخازن رفضوا الخروج من الشركة رغم الإغراءات التى قُدمت لهم عام 2009 للخروج على المعاش المبكر ورضوا بتقليل المرتبات والحوافز على أمل عودة الشركة إلى العمل من جديد وتصدوا لجميع محاولات تخريب الشركة وبيع أصولها. ورغم كل ما تردد من أقاويل وتصريحات إعلامية حول إعادة تشغيل الشركة خلال السنوات القليلة الماضية فإن الوضع يبقى كما هو عليه، بل تتجه الأمور للأسوأ والانهيار والتصفية، كما يقول أسامة الجزار، القيادى العمالى بشركة النصر مدير الحاسب الآلى، الذى يضيف: «هذا الصرح الصناعى الكبير به إمكانات صناعية وهندسية عالية التقنية تجعلها قادرة على العمل من الغد؛ حيث لا تتطلب ضخ استثمارات جديدة؛ لأن شركة النصر لا تضم مصنعاً واحداً فقط بل تضم 4 مصانع للمكابس والأجزاء وقطع الغيار والإلبو بجانب مصنع سيارات الركوب، والمصانع الأولى تستطيع العمل من الغد بعد إجراء صيانة بسيطة للماكينات بها لتنتج معدات وقطع غيار لصالح الغير، لكن الأزمة تتمثل فى تشغيل مصنع سيارات الركوب فقط، ومن الممكن تشغيله بالتعاون مع إحدى الشركات العالمية فى صناعة السيارات وليس بعقد اتفاقيات مع وكلاء هذه الشركات فى مصر مثلما أعلنت إدارة الشركة القابضة. ويحذر «الجزار» من خطورة تشكيل لجان غير متخصصة لتقييم منشآت ومصانع الشركة بعد أن أقدمت إدارة شركة النصر على الاستعانة بخبراء غير متخصصين من الشركة لبحث حالة المنشآت والجدران ويقول: «نتخوَّف من إصدار مثل هذه اللجان تقارير تفيد بعدم صلاحية الجدران والمنشآت لاستئناف العمل بالشركة مع أنها مبانٍ فولاذية وحالتها جيدة جداً، وأعتقد أن الإدارة لجأت إلى ذلك مؤخراً لعدم تشغيل الشركة وتفويت الفرصة على الحكومة للاستفادة منها وبيعها على أنها أرض فضاء؛ لأنها تتمتع بموقع جغرافى ممتاز؛ إذ يحدها من الشرق طريق الأوتوستراد ومن الغرب محطة مترو وادى حوف وتبعد عن كورنيش النيل 10 دقائق فقط؛ لذلك نستغيث بالرئيس السيسى لعدم الاعتماد على قيادات الشركة الحالية وتشكيل لجان فنية متخصصة لسرعة إعادة تشغيلها».[FirstQuote] يتابع «الجزار»: «كنا نعيب على إدارة الشركة عدم الاستفادة من إمكانات الإلبو (خط حماية الأجسام من الصدأ)؛ لأنه يعمل لمدة 24 ساعة من خلال تشغيل الطلمبات والماكينات دون إنتاج حتى لا تتجمد الآلات، لكن فوجئنا بموافقة أعضاء اللجنة المشكلة من إدارة الشركة على تصفية الخط والتخلص من المواد الكيميائية بعد أن أُنفق عليه حوالى 40 مليون جنيه حتى الآن، وهو أول خط من نوعه فى مصر كانت تستأجره شركة بى إم دبليو وشركات أخرى. إهدار المال العام وعدم تشغيل الخط مع كامل جاهزيته تما بشكل متعمَّد للتخلص من الشركة قبل 3 سنوات عندما رفضت إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية عرضاً قدمه أحد المستثمرين لتأجير خط الدهان بـ7 ملايين جنيه فى السنة، وهو ما يتيح تحقيق أرباح للشركة ومكاسب سنوية لا تقل عن 5 ملايين جنيه من خط الإلبو فقط». ويوضح مدير الحاسب الآلى قائلاً: «ديون الشركة البالغة 1٫2 مليار جنيه هى ديون غير حقيقية؛ لأنه تم تحميل النصر للسيارات أعباء ديون الشركة الهندسية والعمالة الزائدة بها، بجانب فروق سعر صرف الدولار بعد تحرير صرفه مع فوائد البنوك، والأدهى من ذلك أن الشركة القابضة للصناعات المعدنية اشترت قطع أراضٍ تابعة لشركة النصر بالقيمة الدفترية بـ5 ملايين جنيه وباعتها للبنوك بـ950 مليون جنيه، وهو ما لم ينعكس على تخفيض المديونية للنصر».[SecondImage] من جانبه، يقول مسئول التخطيط السابق بالشركة سعيد جاد، أمين المخازن حالياً: «يجب إعادة تشغيل فصول التلمذة الصناعية التى تعتبر بمثابة مصنع للعمالة البشرية الماهرة، خاصة أن الفصول الدراسية والبرامج والورشة ما زالت بحالتها وموجودة بالشركة مع الخامات ومستلزمات الإنتاج المتعددة، وهى بمثابة ثروة تؤهل الشركة للعمل لفترة طويلة بشكل اقتصادى، كما يوجد مخزون هائل من قطع الغيار بالشركة غير مستخدم، ونطلب تشكيل جهاز مبيعات متخصص لبيع هذه الرواكد وليس تصفية الشركة التى أفنينا فيها أعمارنا وجئنا إليها ونحن شبان صغار». ويضيف «جاد»: «نتمنى من الله أن تعود الشركة للعمل قبل أن نغادرها عند الخروج إلى سن المعاش، هى بالنسبة لنا كل شىء، نحلم فقط أن تستعيد ماضيها عندما كانت تستقبل آلاف العمال فى أكثر من وردية، نتذكر عصر الشركة الذهبى فى منتصف الثمانينات بشىء من الحسرة وهو نفس الشعور الذى يصيبنا عند رؤية منتجات الشركة من السيارات فى الشوارع؛ لذلك لا نعارض عمل شركة النصر من جديد تحت تبعية أى وزارة أخرى، المهم أن يتم تشغيل الشركة». من جانبه، يقول أحمد إسماعيل، 58 سنة، مدير تفتيش سابق ومدير مخازن حالى بالشركة: «شركة النصر للسيارات بها مقومات كبيرة من الممكن استغلالها لسرعة تشغيل الشركة وهى لا تحتاج إلى ضخ استثمارات كبيرة كما يظن البعض ويمكن من الآن تشغيل مصانع الأجزاء والمكبوسات وهندسة العدد لتلبية احتياجات بعض الشركات الأخرى كما كان يحدث فى السابق مثل الشركة الهندسية للسيارات وشركة إيديال وشركة ميراكو والشركة الشرقية للدخان». [SecondQuote] يضيف «إسماعيل»: «صناعة السيارات صناعة وطنية واستراتيجية لا ينبغى التخلى عنها، والحديث عن تطوير الشركة منذ 3 سنوات لم يخرج عن كونه كلاماً فقط لم يسفر عن أى جديد رغم طلب مجلس الوزراء الأسبق من د. عادل جزارين، مؤسس الشركة، تشكيل لجنة لتقييم الحالة الفنية لمصانع الشركة، وجاء بالتقرير أن مصنع المكبوسات جاهز تماماً للتشغيل بعد الانتهاء من تنظيف جميع ماكيناته، كذلك مصنع الأجزاء والتروس والمعاملات الذى تعمل كل الماكينات به، نفس الأمر ينطبق على مصنع هندسة العدد ومصنع سيارات الركوب؛ حيث يحتاجان فقط إلى عمل الصيانة الدورية». ويتابع أحمد إسماعيل حديثه قائلاً: «أوصت لجنة د. جزارين أيضاً بتشغيل خط الإلبو الذى يحتاج إلى توفير قطع غيار بقيمة 350 ألف جنيه، بالإضافة إلى إجراء صيانة متخصصة لحوض الـED قبل التشغيل مباشرة حتى لا تتلف خامات الحوض. وأوصت اللجنة كذلك ببدء إنتاج أجزاء اللوارى والأوتوبيسات كقطع غيار للسوق المحلية مثل الطنابير والفلنشات والأكسات وأعمدة الكردان وصناديق التروس وأجزاء المحاور، مع دمج شركة النصر والشركة الهندسية للأوتوبيسات؛ لأن الأولى تنتج أجزاء كاملة من اللوارى والأوتوبيسات».