خصخصة النادى الأهلى

الثقافة العامة السائدة لدى جموع الشعب المصرى هى وجود نوع من الحساسية الزائدة وعدم الارتياح عند سماع مفردات «الخصخصة» و«بيع القطاع العام» و«بيع بعض الأصول المملوكة للدولة». ويمكن إرجاع ذلك جزئياً إلى بعض ممارسات الفساد التى شابت عمليات بيع القطاع العام فى سنوات التسعينات من القرن الماضى. ولذلك، وفى العشرين من سبتمبر 2019م، وعند بدء أول الإجراءات نحو طرح نادى غزل المحلة فى البورصة، شدّد وزير قطاع الأعمال العام على أنه «لا نية مطلقاً لبيع النادى، وإنما سيتم تأسيس شركة مساهمة خاصة برياضة كرة القدم يتم إعطاؤها حق استغلال الاسم التجارى (نادى غزل المحلة) والاستاد وملعب للتدريب لمدة 15 عاماً، ويتم رسملة حق الانتفاع لتشارك به شركة المحلة فى شركة كرة القدم، على أن يتم طرح النسبة المتبقية من رأس المال على مستثمر متخصّص ومؤهل لديه سابقة خبرة ورؤية مستقبلية وملاءة مالية، لضخ استثمارات تكفى لتطوير الفريق الأول والصعود به إلى الدورى الممتاز والمنافسة فى مختلف البطولات، وكذلك عمل مدارس للناشئين تمكن من تفريخ أجيال جديدة من الموهوبين خلال فترة من 5 إلى 6 سنوات».

وفى ما يتعلق بالنادى الأهلى، على وجه الخصوص، يتداول بعض مشجعيه عبارات مثل النادى الأهلى «خط أحمر»، والنادى الأهلى «أمن قومى». واعتبر بعض الكتاب الفرق الرياضية الجماهيرية الكبرى، مثل الأهلى والزمالك، من مؤسسات الدولة المصرية، مؤكداً أن «تماسك مؤسسات الدولة المصرية، مثل: الجيش والقضاء والإعلام والأزهر والكنيسة والفرق الرياضية الجماهيرية الكبرى، مثل الأهلى والزمالك، والشركات المصرية العملاقة ذات المهمات الممتدة خارج القُطر المصرى، مثل: المقاولون العرب، والمصرية للاتصالات، وغيرها، هو السبيل الوحيد لبقاء الدولة نفسها» (راجع: رامى جلال، هيا بنا نهدم مؤسسات الدولة، صحيفة «الوطن»، القاهرة، الجمعة الموافق 16 نوفمبر 2018م). وفى هذا المنظور، قد يبدو مستغرباً فى نظر البعض الحديث عن خصخصة الأندية الشعبية الجماهيرية، لاسيما الأهلى والزمالك.

وفى المقابل، وفى يوم الاثنين الموافق 13 يونيو 2022م، وخلال برنامجه «الحكاية» المذاع على قناة (mbc مصر)، وتعليقاً على طرح نادى غزل المحلة فى البورصة، أكد الإعلامى عمرو أديب أن هذا الإجراء خطوة جيدة فى نجاح المنظومة الرياضية، مستطرداً: «أمر جيد أن نادى غزل المحلة يتخصخص ويُطرح فى البورصة، ولو اتخصخص الأهلى والزمالك إيه يعنى هيجرى إيه». وأضاف الإعلامى الشهير، قائلاً: «إيه الأمن القومى فى الأهلى والزمالك، مانطرحهمش فى البورصة، وجماهير الناديين يكون ليهم أسهم».

والواقع أن الحديث عن «خصخصة النادى الأهلى» ليس أمراً حديثاً، وإنما يعود إلى العقد الأخير من القرن العشرين. ففى حديثه إلى برنامج الحكاية، يوم 26 يونيو 2022م، قال الدكتور أحمد هيكل، رئيس مجلس إدارة شركة القلعة للاستشارات المالية ونجل الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل، إن مصر لا بد أن تتخلص من مجموعة من الأفكار ونقوم بدفنها، مؤكداً أن ثمة مجموعة من الأفكار الاقتصادية إذا لم ننجح فى التخلص منها ودفنها، فسوف نظل ندور فى حلقة مفرغة. وثانى الأفكار التى ينبغى التخلص منها فى رأى الدكتور أحمد هيكل هى حكاية الوقت، ذاكراً القول المأثور «فى العجلة الندامة». وقال إن هذا القول ينبغى أن نتخلص منه، مستطرداً أنه من غير اللائق أن نجلس نفكر ونفكر ونفكر ثم فى الآخر لا نفعل شيئاً، مؤكداً أن الوقت له ثمن. الوقت ليست له قيمة فى مجتمعاتنا، سواء فى البيزنس أو فى غيره. ولتوضيح وجهة نظره، ذكر الدكتور أحمد هيكل واقعة حدثت سنة 1997م، قائلاً إن ثمة صلة قرابة ونسباً بينهم وبين الكابتن صالح سليم، رئيس النادى الأهلى آنذاك، موضحاً أن زوجة الراحل الكبير شقيقة زوجة خال الدكتور أحمد هيكل. وتتلخص الواقعة التى حدثت سنة 1997م فى أنه وفى أثناء تناول الغداء، قال الكابتن صالح سليم إن أمنيته هى بناء استاد النادى الأهلى، مضيفاً أن تكلفة بنائه تبلغ ثلاثمائة مليون جنيه آنذاك. وهنا استغرب الدكتور أحمد هيكل أن النادى الأهلى العريق لا يستطيع تدبير هذا المبلغ، لاسيما أن النادى الأهلى من وجهة نظره أكبر علامة تجارية فى العالم العربى كله. وفى هذا الوقت، كان الدكتور أحمد هيكل العضو المنتدب للمجموعة المالية هيرمس. وإزاء استغراب الدكتور أحمد هيكل، قال له الكابتن صالح سليم إنه سيعقد اجتماعاً لمجلس إدارة النادى الأهلى، تتم دعوته لحضوره، حيث حضر هذا الاجتماع فعلاً كل من المستشار عبدالمجيد محمود والكابتن حسن حمدى والكابتن محمود الخطيب والمهندس محمود طاهر والأستاذ إبراهيم المعلم والكابتن طاهر أبوزيد. وكان الهدف من هذا الاجتماع أن يقوم الدكتور أحمد هيكل بعمل عرض توضيحى لاستعراض ودراسة الإجراءات التى يمكن القيام بها، لتوفير المبلغ المطلوب لتمويل بناء استاد النادى الأهلى. ولهذا الغرض أحضر الدكتور أحمد هيكل معه الشخص المسئول عن عمل تمويل استاد كامب نو، الاستاد الشهير لنادى برشلونة، عملاق الكرة الإسبانية. وبالفعل، وبعد هذا الاجتماع، تم التوصل إلى الآلية التى يمكن من خلالها توفير التمويل اللازم لبناء استاد النادى الأهلى. وفى هذا التوقيت، كان نادى جالطا سراى يتم طرحه لأول مرة فى البورصة التركية. والاقتراح الذى تم التوصل إليه يومها هو أن يقوم النادى الأهلى بإعطاء شركة خاصة مجموعة من الحقوق التى يتم تقويمها بمبلغ معين لزيادة رأسمال النادى الأهلى، بما يسمح بتوفير التمويل اللازم لبناء الاستاد. ورغم مرور 25 سنة على هذا الاجتماع، فإن هذا الاقتراح لم يرَ النور حتى تاريخه.