قيود «الورثة» تقف حائلاً دون تحويل روايات نجيب محفوظ إلى أعمال درامية

قيود «الورثة» تقف حائلاً دون تحويل روايات نجيب محفوظ إلى أعمال درامية
جمع نجيب محفوظ بين ضفتى أعماله تاريخ مصر، وأحال شوارعها وحواريها إلى أيقونات أدبية؛ لذا فمن الصعب اختزال أدب «محفوظ» فى «نوبل»؛ حيث حظى أدبه بشعبية شديدة، فتعتبر كتاباته هى طريقك إلى معرفة مصر الحقيقية من الداخل، فلم يكتفِ بالدخول إلى عالم خفى بل امتدت كتاباته داخل الشخصيات ليتناولها بمشرط الطبيب من خلال قلم الأديب؛ فبقاء روايات «محفوظ» غير مرتبط بصفتها إبداعاً أدبياً روائياً، بل بصفتها جزءاً من تاريخ مصر الأدبى والاجتماعى.
وفى الفترة بعد وفاة نجيب محفوظ، يرى البعض أن جانباً من عائلته وبعض الورثة يمارسون نوعاً من الحظر على أعماله الأدبية، فتراجعت مبيعاتها بعد أن كانت فى مرحلة الذروة خلال حياته، بالإضافة إلى وضع العراقيل أمام تحويل بعض الأعمال الأدبية إلى أعمال فنية، من حيث المغالاة فى المطالب المادية الخاصة بحقوق عرض أعماله، سواء من خلال السينما أو المسرح أو الدراما، فضلاً عن النشر الأدبى الذى تحتكره دار الشروق للنشر، وحق ترجمة أعماله الأدبية الذى يحتكره قسم النشر بالجامعة الأمريكية، ليكون آخر عمل درامى قدم عن أعمال نجيب محفوظ فى الدراما هو مسلسل «حديث الصباح والمساء» الذى عُرض عام 2001، أى قبل وفاته بما يقرب من 5 سنوات. قال الكاتب الروائى يوسف القعيد: «المشكلة فى ابتعاد أدب نجيب محفوظ عن الساحة ترجع لدخول بعض عائلة الأديب الراحل فى الورث مع بناته، وفقاً للشريعة الإسلامية، ما يجعل الأمر مرهقاً وغير عادل بالنسبة لهم، ما جعلهم يتوقفون عن محاولة إعادة نشر أعماله لأنه يتداخل معهم دار الشروق للنشر والتوزيع، بالإضافة إلى قسم النشر فى الجامعة الأمريكية، حسبما تعاقد معهما الأديب الراحل قبل وفاته».
وأضاف «القعيد» لـ«الوطن»: «بنات محفوظ يتمنين أى انتشار لأعمال والدهن مرة أخرى»، نجيب محفوظ خلال حياته قدم ما يقرب من 54 عملاً مأخوذاً عن رواياته، وكتب هو سيناريوهات 35 عملاً منها، وكان آخرها عندما طالب المخرج الراحل يوسف شاهين بتقديم فيلم عن رواية «أولاد حارتنا»، وجدد الطلب بعد وفاته المخرج خالد يوسف والسيناريست وحيد حامد، وهو ما توقف بعد ذلك لمشاكل متعلقة بالمسائل المادية، بالرغم من أن «محفوظ» فى حياته لم يكن يغالى فى مقابل أعماله. وتابع: «حسب حقوق الملكية الفكرية، لن يصبح أدب نجيب محفوظ حراً إلا بعد مرور 50 عاماً على رحيله، أى فى عام 2056».
وفى الوقت نفسه، قال الناقد الأدبى مصطفى عبدالله: «محفوظ كان متسامحاً للغاية فى التعامل مع إبداعه الأدبى، سواء فى حالة النشر الورقى أو فى حالة تحويله لفيلم، فكان يقبل بأقل مقابل مادى، وكان ذلك يزعج المبدعين الأقل قيمة، فكانوا يريدونه أن يضاعف مستحقاته المالية».
وأضاف «عبدالله» لـ«الوطن»: «هناك بالفعل أزمة بين ورثة الأديب الراحل مما ترتب عليه قلة الزخم الثقافى الذى كان متحققاً أثناء حياته»، مشيراً إلى وجود خلاف بين ابنة «محفوظ» مع دار النشر بالجامعة الأمريكية؛ فهى ترى أن العقود التى حررها «محفوظ» مع الجامعة كانت مجحفة للغاية، خاصة أنها لم تكن وراء فوزه بجائزة نوبل، وإنما سعت لحصد ثمار الجائزة؛ فعندما تعاقد مارك لينز، المدير السابق لقسم النشر بالجامعة، سعى ليصبح وكيلاً أدبياً ويحتكر ترجمة ونشر أعماله فى الخارج.
وتابع: «لم يكن هناك اهتمام كافٍ بصدور ترجمات جديدة من أعمال نجيب محفوظ فى الوقت الحالى، ما أدى إلى تراجع أرقام التوزيع وما يترتب عليه من تراجع العوائد المادية، ومن هنا جاءت موافقة الأسرة على قيام مؤسسة هنداوى للتعليم والثقافة بالقاهرة بإتاحة مقالات نجيب محفوظ إلكترونياً على شبكة الإنترنت، فضلاً عن تقديمه فى سلسلة من الكتب». على الجانب الآخر، يرى السيد محمد عمار، محامى عائلة نجيب محفوظ، أن تركة «محفوظ» الأدبية شأنها شأن التركات المادية، تؤول فيها الحقوق إلى الورثة الشرعيين، وتسقط حقوق الملكية الفكرية بعد مرور خمسين عاماً على وفاة صاحبها وتصبح ملكية عامة. ونفى «عمار» أن رفض أو قبول الطلبات لتقديم أعمال الأديب الراحل يعتمد على الجانب المادى فقط، بالرغم من أهميته، مؤكداً أن بنات الأديب الراحل يراعين أن تكون الأعمال المقدمة متناسبة مع تاريخه ومع الأهمية التاريخية والإبداعية لأعماله؛ لأنها مسئولية ضخمة بالنسبة لهن. وأشار إلى أن الورثة وافقوا على تقديم عدد من الأعمال الروائية فى عروض مسرحية على مسرح الدولة، بالإضافة إلى كتاب مجانى يضم مقالات نادرة لـ«محفوظ».
ونفى محامى عائلة «محفوظ» وجود أى خلاف من أى نوع بين الورثة وبعضهم حول تقديم أدب محفوظ فى أعمال سينمائية أو درامية، مؤكداً أن الأمر اختلف بعد وفاة أديب «نوبل» الذى قدم مجموعة كبيرة من أعماله للسينما والتليفزيون خلال حياته، فالأمر يختلف من صاحب الشأن والورثة الذين يحاولون الحفاظ على مستوى أعماله السابقة؛ فجميع العروض المقدمة قابلة للمناقشة وفقاً لمجموعة المعايير الخاصة التى وضعتها العائلة، ومن حقهم رفض ما يجدونه غير مناسب لأن اسم نجيب محفوظ ميراث خاص من نوعه ويحتاج لشروط صارمة.