«الفانتازيو»: سينما «يوسف وهبى» التى أصبحت «مخزن غيارات داخلية»

كتب: محمد أبوضيف وأحمد العميد

«الفانتازيو»: سينما «يوسف وهبى» التى أصبحت «مخزن غيارات داخلية»

«الفانتازيو»: سينما «يوسف وهبى» التى أصبحت «مخزن غيارات داخلية»

عبر أحد الأزقة الضيقة بميدان الجيزة، يتراص باعة الملابس والفاكهة، وما بين أطراف «ملابس داخلية»، تظهر أطلال كلمات كتبت بألوان غيرت ملامحها السنون «سينما الفانتازيو»، تحت اللافتة يجلس رجل رسمت تجاعيد وجهه سنوات العمر، «محمد غريب»، رجل سبعينى، يجلس أمام أحد الأكشاك المتاخمة للسينما، يقتات منه لقمة عيشه بعد إغلاق دار العرض، عاش بداخلها العمر بائعاً لزبائنها من المقبلين لمشاهدة أفلام صاحبها الراحل يوسف وهبى، قبل عشرات السنين. بصوت أجش، وكلمات تخرج بصعوبة، بسبب تقدم العمر، يتذكر «غريب»: «التذكرة فى السيما دى كانت بقرش صاغ»، فالرجل كان يعمل بها بائع تذاكر للزبائن - حسب روايته، ما زال يتذكر أسماء الأفلام التى عرضت بها «فتوات الحسينية»، «الفتوة»، «سنجام»، و«سراج»، أما الأبطال الذين كانوا يترددون على السينما فيذكر منهم رشدى أباظة، وأحمد رمزى، ويوسف وهبى صاحب السينما. قبل عشر سنوات، كانت السينما على موعد مع إغلاق أبوابها، حسب حديث «غريب» لـ«الوطن»، يروى الرجل أن السنوات الثلاث الأخيرة كانت تعرض أفلاماً درجة ثالثة «آخر فيلم اتعرض فيها كان حمام الملاطيلى، بتاع يوسف شعبان، فيلم أى كلام، ومن بعدها اتقفلت السينما»، ويسوق غريب أسباب إغلاق السينما لانتشار محال الفيديو، وبخاصة أن السينما كانت تعتمد على أهل المنطقة من أهل الجيزة البسطاء، واصفاً إياها بـ«السينما الشعبية»، فتجد يوم الاثنين يتوافد عليها زبائن من الجزارين والحلاقين، والجمعة من البائعين والموظفين. بابتسامة عريضة، يتذكر «غريب» مواقفه مع يوسف وهبى، واعتماده عليه حسب روايته فى السيطرة على المشادات والمشاجرات التى كانت تنشب أحياناً فى السينما «ما كناش بنستنى أمن ولا بتاع، كنا بنسيطر على الموقف، وأنا كنت بتصدّر لأى مشكلة وألمّها عشان ما تتطورش»، ويصف «وهبى» بالرجل البسيط الشعبى «كان شخصية جامدة ابن بلد شعبى، وكان يضحك ويهزر معانا، رغم إنه صاحب الملك». يستقبل الرجل ورثة يوسف وهبى، حينما يأتون من وقت لآخر لمتابعة حال السينما، ويؤكد أنه صدر بحقها قرار إزالة، وأنهم يستعدون لبيعها كأرض لبناء عمارات سكنية عليها «ما اعتقدش إنهم هيفتحوا سينما تانى، هى آخرها هتتبنى عمارات بعد ما تتباع أرض، تطلع 3 عمارات، دى موقعها ممتاز، وعلى شارعين». ورغم أكياس القمامة التى تتراكم على بوابة السينما، وأكياس وبالات «الملابس الداخلية الحريمى» التى اتخذت من المكان المهجور مخزناً لها، فإن «غريب» يتحسر على حال السينما وربما يتحسر على حاله هو بعدها «والله كانت عاملة رجل فى الشارع والشغل فيها كان أحسن من القعدة كده». على الجانب الآخر، وفى موقع متميز من ميدان الجيزة، تقع البوابة الأخرى للسينما، قابع أمامها بائع للأحذية، يتخذ من وجهتها معرضاً لأحذيته، يقول محمد حسين، الذى يعرض بضاعته أمام السينما المغلقة منذ 8 سنوات «جيت أبيع هنا معرفتلهاش صاحب، وهى مقفولة كدة من ساعة ما بدأت أبيع جزم فى الجيزة»، لا يعرف حسين إلا عدداً من الخفراء الذين يعيشون بداخلها، تابعين حسب روايتهم له. حين تقترب من بوابة السينما، يبادرك «حسين» بالسؤال «شارى يا باشا؟، صحابها عايزين يبيعوها، موقعها ممتاز ومكانها تحفة»، يبدى معرفته بصاحب السينما، ويطالبك إن كنت جاداً فى شراء تلك القطعة من الأرض - حسب وصفه فهو لا يصفها بالسينما مطلقا -، أن تأتى غداً حين يكون الخفراء الذين يحرسونها موجودين: «ولىَّ» الحلاوة يا باشا».. يشير بيده إلى لافتة معلقة كتب عليها، «مستأجر سينما الفانتزيو الصيفى، ورثة المرحوم إبراهيم محمد الوردانى عنهم الحاج إسماعيل سلطان». فى اتصال هاتفى بإسماعيل سلطان، أحد ورثة مستأجر السينما، منذ عام 1944، قال لـ«الوطن»، إن سوق السينما متوقف، ولم تعد تلك الصناعة تدر عليهم الأموال التى كانت تدرها على والدهم، وهو ما دفعهم إلى اتخاذ قرار بتحويل الأرض المقام عليها إلى سوق للباعة، وهو ما قد يحقق لهم عائداً مادياً مناسباً، رافضاً إعادة إحياء السينما من جديد، نظراً للتكاليف الكبيرة التى تطلبها تلك العملية، فضلاً عن أنها لن تعوضهم بالمكاسب التى تغطى تلك التكلفة.