الحوار الوطنى أفقياً فى المحافظات!
قلنا -خلال عدة مقالات عن الحوار الوطنى هنا وفى صحف أخرى- كل التوصيفات الممكنة بشأنه.. من كونه فرصة تاريخية لإجراء حوار متحضر هو فى ذاته قيمة مهمة. وقلنا إن الحوار الوطنى فرصة للوصول إلى حد أدنى مشترك بين كافة القوى المصرية يمكّننا من إدارة الحاضر والمستقبل بالشكل الصحيح، وقلنا إن الحوار الوطنى فرصة حقيقية للدخول إلى الجمهورية الجديدة بأقصى درجات الاتفاق الوطنى.. ولذلك ولغيره نتمسك بالفكرة وبالدعوة لتفعيلها إلى أقصى درجة ممكنة، ولذلك نطرح السؤال: لماذا يبقى الحوار الوطنى فى القاهرة وحدها يشارك فيه ممثلو القوى الوطنية ويبقى جمهورها وأعضاؤها فى انتظار النتائج فى المقرات العامة للأحزاب والنقابات وكافة الهيئات والمؤسسات المدعوّة للحوار؟ لماذا يبقى الحوار رأسياً دون توسيع قاعدته الجماهيرية ليتمدد أفقياً أيضاً ويطول محافظات مصر؟! أليست المحافظات تضم الامتدادات الطبيعية والتشكيلات الإقليمية للأحزاب والنقابات، بل إن انتخاب قيادات القاهرة يتم أصلاً من محافظات مصر وأقاليمها؟!
لا تعنى الفكرة أن يكون لكل مؤتمر صلاحيات اتخاذ قرارات، لكن قد نحتاج -فى العاصمة- لإدراك واستيعاب ورؤية ما يجرى فى كافة محافظات مصر، ولكل منها خصائصها وقدراتها وإمكانياتها وأزماتها ومشكلاتها وأولوياتها وكفاءاتها وهى التى تختلف من إقليم -عدة محافظات- إلى إقليم، ومن محافظة حتى فى ذات الإقليم إلى جاراتها المحافظات الأخرى.. فظروف الإسكندرية مثلاً تختلف كلية عن ظروف مطروح، والأمر فى قنا يختلف عن الأقصر، والوادى الجديد غير أسيوط.. وهكذا!
أحزاب مصر الـ١٠٦ -وفق تقديرات وإحصائيات أحد أعضاء مجلس النواب- لا تمتلك -بالطبع- مقرات فى كافة محافظات مصر.. هذا الأمر فوق الطاقة وأكبر من إمكانيات الـ١٠٦ أحزاب.. إنما الأحزاب الكبيرة أو بعضها فلديها مقرات إما فى كافة المحافظات أو أغلبها.. فالوفد يغطى كافة المحافظات والناصرى لديه مقرات فى أغلب المحافظات حتى رغم الانقسامات والأزمات التى ضربت الحزب وعصفت بوحدته لكن بقيت المقرات، و«المصريين الأحرار» أيضاً يمتلك عدداً كبيراً من المقرات.. أما باقى الأحزاب فلدى كل منها عدد من الفروع بحيث لا توجد محافظة إلا وتضم عدداً منها يكفى لإجراء الحوار، حيث تكون العبرة هنا بوجود ممثلى التيارات والأحزاب.. ككوادر سياسية تصبح المقرات فقط قرينة على جماهيرية الأحزاب فى هذه المناطق!
النقابات تختلف عن ذلك.. لأسباب عديدة، منها الأسبقية التاريخية فى التأسيس والوجود والتنظيم الجيد لأبناء كل مهنة والانضباط فى تسديد الاشتراكات بما يوفر دخلاً معقولاً، فضلاً عن ممارستها عملاً مهنياً وخدمياً وليس سياسياً، بما منحها حرية عمل وحركة واسعين!
وبالتالى تبدو قدرة هذه النقابات على إجراء حوار بأبعاد قومية ومحلية كبيرة.. تتقاطع مع موضوعات مقراتها المركزية لكن تتفاعل وبقوة مع مطالب مجتمعها الذى تعيش فيه! بل ربما يثمر حوار المهنيين بعيداً عن العاصمة حلولاً غير تقليدية لمشكلات تقليدية ومزمنة، فمشاركة الأطباء مع المحامين مع المهندسين مع التطبيقيين مع التجاريين مع المعلمين وغيرهم وغيرهم فى حوار واحد ستؤدى إلى نتائج جيدة!
تتميز المحافظات بالوصول إلى فئات أخرى لم تكن ممثلة فى حوار العاصمة الرئيسى، حيث الأندية والجمعيات المحلية التى لا إدارة لها فى القاهرة تتبعها من هناك.. وهذه إذا دُعيت ستناقش فى المقام الأول العقبات التى تحول دون قيامها بدورها على الشكل الأمثل.
تشكيلات أخرى يكون انضمامها لحوار المحافظات مفيداً، مثل أندية أعضاء هيئات التدريس فى جامعات مصر وقد بلغت ٢٧ جامعة وربما لا توجد محافظة مصرية بغير جامعة أو على الأقل عدة كليات.. هذه النوادى تضم خبرات مهمة ليس من مصلحة الوطن أن تبقى بغير الاستفادة منها، خصوصاً أن بعضها يتحرّج من المبادرة من تلقاء نفسه وعرض قدراته على الآخرين!
الهدف من الطرح السابق أن تستنهض مصر كلها بالحوار ويصل إلى أوصالها وأطرافها وكافة أراضيها روح الحوار وحرارته وإحساس المشاركة فيه...الهدف أن تشتعل محافظات مصر بالحركة وتنتعش بالنشاط وتدب فى شرايينها من جديد فضيلة العطاء الوطنى.
يقود محافظو مصر التخطيط للموضوع، ومعهم مؤسسات الحكم ومن يختارونه من شخصيات عامة لها ثقلها فى أماكنها.. تمثل العائلات أحد مكونات العمل السياسى فى مصر -بالمحافظات التى تتسم بالقبليات- بما لا يمكن تجاهله.. باختصار لا يخرج من الحساب إلا الإرهابيون المجرمون الملطخة أياديهم بدماء أبناء شعبنا ومن أرادوا تدميره وإسقاطه.. هؤلاء ليسوا منا ولسنا منهم.. وليس الكلام السابق إلا حواراً مع الذات.. ومع المسئولين عن إدارة ملف الحوار.. ومع الناس.. أصحاب المصلحة الحقيقية فى أى حوار!
والله من وراء القصد.