أربعة أخطاء شائعة عن الإعلام

ثمة أربعة أخطاء شائعة فى المجال العام المصرى بخصوص دور الإعلام وطبيعة التعامل معه؛ وهى أخطاء تتفاقم يوماً بعد يوم، وتلقى بظلال سلبية على الممارسة الإعلامية، وتحرفها عن القواعد المهنية، وتسلبها القدرة على النهوض بدورها المفترض. الخطأ الأول يتعلق بانطباع عام مفاده أنه من الممكن أن تُحكَم الدولة عبر السيطرة على وسائل الإعلام، بصرف النظر عن الإنجاز على الأرض، ومقدار الرضا عن أداء الحكومة، ومعدل الثقة فى السلطات القائمة. يتعلق هذا الخطأ بما اصطلح على تسميته بحكم «الميدياقراطيا» Mediacracy، وبحسب تعريف بعض الباحثين والمحللين فـ«الميدياقراطيا» هى «حكم الميديا ووسائلها»، أو هى «الحكم غير المباشر بوسائل الإعلام الشعبية، بسبب اضطراب يعترى الديمقراطية. وهى نظام يتوقف فيه الساسة عن التفكير، ويكتفون بمتابعة وسائل الإعلام فيما يتعلق بتحديد ماهية القضايا الكبرى، وما الذى يتوجب عليهم فعله بشأنها». خلال حكم «الميدياقراطيا»، لا يهتم الساسة بحل المشكلات على الأرض، ولا بالتخطيط ووضع الاستراتيجيات، ولا بالسهر على إنفاذ القانون، لكنهم يهتمون فقط بصورتهم عبر وسائل الإعلام. ولأن بعض وسائط الحكم وسلطاته، ومنها «البرلمان» على سبيل المثال، تكون مهترئة أو غائبة أو فاقدة للفعالية؛ فإن «سلطة الإعلام» تبرز وتتسيد المشهد تماماً، حتى تتغول على غيرها من السلطات وتفتئت على أدوارها. أما الخطأ الثانى فيتصل بالدور المفترض لوسائل الإعلام فى محاربة «الإرهاب». يعتقد البعض، وبينهم ساسة نافذون وخبراء وأكاديميون، أن الإعلام يمكن أن يقهر الإرهاب وحده، أو أنه «صاحب المجهود الرئيس» فى مواجهة التحديات الإرهابية. وبسبب هذا الاعتقاد، يتوقف الساسة عن وضع الخطط اللازمة لمكافحة التحدى الإرهابى، كما تتخلى أجهزة الدولة ومؤسساتها المعنية عن أدوارها المفترضة فى التصدى لخطر الإرهاب، وينتظر الجميع أن يقوم الإعلام بكسب المعركة وحده، معوّلين على قدرته الكبيرة فى النفاذ والتأثير فى قطاعات الجمهور. ويتعلق الخطأ الثالث بالانطباع الذى تولد لدى قطاعات فى السلطة بأنه من الممكن السيطرة على مصادر الرسائل الإعلامية والتحكم فى مضمونها، بشكل يخفف الاحتقان، ويحبط الروح الاحتجاجية، ويطوق النزعات النقدية، ويخلق اصطفافاً وتأييداً واسعين للقيادة. وبسبب هذا الانطباع، فإن مجهوداً كبيراً يكرس لضمان ضبط الرسائل الإعلامية فى مسارات محددة، ويتخذ هذا المجهود أشكالاً مختلفة، بعضها يستخدم الترهيب والضغط والابتزاز، وبعضها الآخر يستخدم الترغيب ووسائل الإقناع الطوعية. أما الخطأ الرابع فيتصل بتصور البعض أنه من الممكن منع الرسائل الإعلامية غير المرغوب فيها سياسياً من الظهور والوصول إلى الجمهور والتأثير فيه. يعتقد البعض أنه بالإمكان منع وجهة نظر معينة من البروز عبر محاصرتها فى المنابر الإعلامية النظامية بما يحرمها من الانتشار والرواج. من المؤسف أن تكون تلك الانطباعات سائدة فى هذا التوقيت بالذات، خصوصاً بعدما انتصر الشعب والإعلام المصريان فى «25 يناير» و«30 يونيو» لقيم الحرية والحداثة والنزعة الاستقلالية. لا يمكن حكم دولة مثل مصر بوسائل الإعلام، مهما كانت تلك الوسائل نافذة ومؤثرة، ومهما كانت السلطات والمؤسسات عاجزة ومهترئة. ولن يكون بوسع الإعلام لعب الدور الرئيس فى محاربة الإرهاب، لأن تلك المعركة تخص الدولة والمجتمع والمؤسسات والجمهور نفسه، وإذا كان للإعلام دور فهو دور ثانوى ومكمل، والاستقالة من الأدوار الصلبة المفترضة والتخلى عنها لمصلحة الإعلام وحده لن تؤدى سوى إلى كوارث ومخاطر كبيرة. وكما أنه يصعب جداً السيطرة على مصادر الرسائل الإعلامية فى واقعنا المصرى الراهن بسبب التغيرات المذهلة التى طرأت على طبيعة العملية الاتصالية من جهة وحالة التلقى الإعلامى من جهة أخرى، فإن التفكير فى منع رسائل إعلامية بعينها ليس سوى نوع من العبث، لأنه لن يؤدى سوى إلى رواجها وانتشارها.