إلغاء القيود الطائفية المسيطرة على السياسة اللبنانية أول تحديات مجلس النواب

كتب: (أ ش أ) تقرير أحمد سنجاب

إلغاء القيود الطائفية المسيطرة على السياسة اللبنانية أول تحديات مجلس النواب

إلغاء القيود الطائفية المسيطرة على السياسة اللبنانية أول تحديات مجلس النواب

شهدت الجلسة الأولى الافتتاحية لمجلس النواب اللبناني سجالات طويلة حول الطائفية التي تحكم الحياة السياسية في لبنان، إذ دعا عدد من النواب إلى الإسراع بتشكيل الهيئة الوطنية لإنهاء الطائفية والمنصوص عليها في الدستور اللبناني منذ عام 1990، والعمل على وضع قانون جديد لانتخاب أعضاء مجلس النواب خارج القيد الطائفي، بالإضافة إلى انتخاب المناصب القيادية في المجلس النيابي على أساس الكفاءة وحرية المنافسة والتعبير عن الرأي، وليس وفقا لأعراف طائفية، ليظهر هذا المطلب كأول تحدي لمجلس النواب.

كيف يتخلص لبنان من «الطائفية السياسية» وينتقل للدولة المدنية؟

جاءت تلك الدعوات عقب مناقشات مستفيضة بالجلسة الافتتاحية أمس، حول آلية اختيار أميني سر مجلس النواب، إذ طالب عدد من النواب بفتح المنافسة أمام الجميع وعدم قصر المنصب على طوائف محددة، وسط اعتراضات من نواب آخرين مطالبين بتطبيق الأعراف المتبعة، منذ اتفاق الطائف عام 1989 في اختيار المناصب داخل المجلس، التي تضمن رئاسة المجلس لطائفة المسلمين الشيعة ونائب رئيس المجلس لطائفة المسيحيين الروم الأرثوذكس، ومنصبي أميني السر لطائفة المسلمين الدروز والمسيحيين المارونيين، ومناصب أعضاء هيئة المكتب الثلاثة لطوائف المسلمين السنة والمسيحيين الأرمن والمسيحيين الروم الكاثوليك.

كما أن قانون الانتخابات الذي فاز على أساسه النواب بعضوية المجلس أساسه طائفي، إذ يتقاسم المسلمون والمسيحيون عدد المقاعد مناصفة بواقع 64 مقعدا لكل طائفة، حيث تم تحديد 4 طوائف رئيسية للمسليمن وهي السنة ولها 27 مقعدا والشيعة ولها 27 مقعدا والدروز ولها 8 مقاعد والعلوين ولها مقعدان، فيما تم تحديد 7 طوائف رئيسية للمسحيين وهي المارونية ولها 34 مقعدا والروم الكاثوليك ولها 8 مقاعد والروم الأرثوذكس ولها 14 مقعدا والأنجليين ولها مقعد واحد والأرمن الكاثوليك ولها مقعد واحد والأرمن الأورثوذكس ولها 5 مقاعد والأقليات المسيحية ولها مقعد واحد.

وتنص مقدمة الدستور اللبناني، التي تم اضافتها بموجب قانون دستوري عام 1990 على أن لبنان عربي الهویة والانتماء وهو جمهوریة دیمقراطیة برلمانیة، تقوم على احترام الحریات العامة وفي طلیعتها حریة الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعیة والمساواة في الحقوق والواجبات بین جمیع المواطنین دون تمایز أو تفضیل.

وشددت المقدمة على أن إلغاء الطائفیة السیاسیة هدف وطني أساسي یقتضي العمل على تحقیقه وفق خطة مرحلیة.

توزيع المقاعد النيابية مناصفة بين المسلمين والمسيحيين

أكدت المادة 24 من الدستور اللبناني المعدلة عام 1990 على أن توزيع المقاعد النيابية مناصفة بين المسلمين والمسيحيين على أن يكون هناك تمثيل نسبي للطوائف بمجلس النواب وذلك لحين وضع قانون انتخاب خارج القید الطائفي، وهو القيد الذي تم وضعه بناء على اتفاق الطائف الناتج عنه وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي وضعت بين الأطراف المتنازعة في لبنان في سبتمبر عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وذلك بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على اندلاعها.

وفي المادة 95 من الدستور المعدلة في القانون الدستوري عام 1990، ألزم النص مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بین المسلمین والمسیحیین اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقیق إلغاء الطائفیة السیاسیة وفق خطة مرحلیة وتشكیل هیئة وطنیة برئاسة رئیس الجمهوریة، تضم بالإضافة إلى رئیس مجلس النواب ورئیس مجلس الوزراء شخصیات سیاسیة وفكریة واجتماعیة، على أن تكون مهمة الهیئة دراسة واقتراح الطرق الكفیلة بإلغاء الطائفیة وتقدیمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفیذ الخطة المرحلیة.

وأطلقت المادة الدستورية على المرحلة التي تسبق إلغاء الطائفية السياسية اسم «المرحلة الانتقالیة»، مشددة على ضرورة تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكیل الوزارة خلال هذه المرحلة وإلغاء قاعدة التمثیل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكریة والأمنیة والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضیات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فیها وفي ما یعادل الفئة الأولى فیها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بین المسیحیین والمسلمین دون تخصیص أیة وظیفة لأیة طائفة مع التقید بمبدأي الاختصاص والكفاءة.

استحداث مجلس للشيوخ

من جانبه، أكد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في مداخلة له بالجلسة الافتتاحية لمجلس النواب الجديد أمس، ضرورة إلغاء القيد الطائفي تحقيقا لما نادى به على مدار 3 عقود، مشددا على ضرورة العمل على إصدار قانون انتخابي جديد يلغي الطائفية، ويسمح بتطبيق النص الدستوري في المادة 22 والتي تقول: «مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، یستحدث مجلس للشیوخ تتمثل فیه جمیع العائلات الروحیة وتنحصر صلاحیاته في القضایا المصیریة».

"ومن المفارقات أن قانون الانتخابات الذي أجريت على أساسه المنافسة خلال الشهر الجاري قد صدر عام 2017، أي بعد قرابة 25 عاما على القانون الدستوري الذي نص على الغاء الطائفية التي يجمع السياسيون على انتقادها ويتنافس الجميع في تطبيقها لكونها تضمن للطوائف حصة محددة متفق عليها في المجلس النيابي.وتتضمن القيود الطائفية في السياسة اللبنانية أن يتم انتخاب رئيس جمهورية ينتمي للطائفة المسيحية المارونية واختيار رئيس حكومة ينتمي لطائفة المسلمين السنة، كما أن قائد الجيش اللبناني لا بد أن ينتمي لطائفة المسحيين المارونيين ومدير مديرية الأمن العام للشيعة ومدير قوى الأمن الداخلي للسنة.

كما يتم اختيار الوزراء وفقا لطوائفهم، حيث أن كل طائفة تمتلك عددا محددا من الوزراء في كل حكومة، حيث تقوم الطوائف بتقديم مرشحيها لهذه الحقائب الوزارية ويقوم رئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية ورؤساء الكتل النيابية الممثلة للطوائف لحين الاستقرار على تشكيل نهائي للحكومة وهو ما استغرق 13 شهرا قبل تشكيل حكومة نجيب ميقاتي التي استمرت في عملها 8 أشهر فقط وتحولت إلى تصريف الأعمال مع بداية ولاية مجلس النواب الحالي في 22 مايو.

نصوص دستورية معطلة على مدار 32 عاما

وعقب الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب الجديد، بات من المؤكد أن هناك اتجاها متصاعدا داخل المجلس النيابي لاتخاذ خطوات لتحرير السياسة اللبنانية من القيود الطائفية وخصوصا بعد وصول عدد من المستقلين المنتمين لطوائفهم دون الانتماء للكتل السياسية لتلك الطوائف ليتيح لجميع اللبنانين حرية الترشح والانتخاب وتولي المناصب دون قيود طائفية وفقا لما هو منصوص عليه قبل قرابة 32 عاما في الدستور اللبناني ولكن دون تنفيذ.

جدير بالذكر، أن الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب أسفرت عن فوز نبيه بري (شيعي ورئيس كتلة التنمية والتحرير النيابية) برئاسة مجلس النواب وإلياس بو صعب (مسيحي روم أرثوذكس وعضو بكتلة لبنان القوي المحسوبة على رئيس الجمهورية) بمنصب نائب رئيس المجلس وآلان عون (مسيحي ماروني وعضو كتلة لبنان القوي) بمنصب أمين سر وهادي أبو الحسن (درزي وعضو كتلة اللقاء الديمقراطي) بمنصب أمين سر، كما النواب هاجوب بقرادونيان (مسيحي ارمني) وميشال موسى (مسيحي روم كاثوليك) وعبدالكريم كبارة (مسلم سني) بعضوية هيئة مكتب المجلس.يؤمن الجميع أن الطائفية شوهت الحياة السياسية في لبنان، وجعلت ديمقراطيتها منقوصة، وحريتها الظاهرية مكبلة بقيود طائفية، وقرارتها الاستراتيجية وتقدمها مرهون بتوافق بين الطوائف الدينية ومصالحها قبل مصلحة لبنان.


مواضيع متعلقة