«طب القوات المسلحة».. تجربة عنوانها الإخلاص!

لم أكن أتوقع أن تمتد مغامرتى داخل هذا الكيان المسمى بكلية الطب بالقوات المسلحة لأبعد من عام واحد أو عامين على الأكثر.. ولكننى لم أستغرق وقتاً طويلاً قبل أن أدرك أنها مغامرة عمرى كله..

كانت تجربة جديدة أن أخرج من جامعتى الإقليمية لأتعرف على طلاب جدد ومن نوعية مختلفة.. ولكننى وجدت نفسى منغمساً فى هذا العالم أكثر مما كنت أتخيل بكثير..!

تجربة انغمست فيها إنسانياً قبل أن أنغمس مهنياً.. ارتبطت بالعاملين بها وبالطلبة بشكل لم يكن فى مخيلتى بالمرة..!

هى تلك الكلية الوليدة التى لم يتجاوز عمرها الثمانى سنوات.. كنت شاهداً على أكثر من نصفها.. فمنذ أن التحقت للعمل بكلية طب القوات المسلحة وأنا أراقب ما يحدث داخلها من تطور عاماً بعد عام..!

رأيت كيف يحيا طلبة الكليات العسكرية.. بماذا يحلمون وكيف يتصورون الحياة خارج الجدار الفاصل بينهم وبين العالم الخارجى.. شاهدت كيف يخلص الرجال من العاملين بالكلية لعملهم.. كيف يعاملون الطلبة وكأنهم بدائل للأهل الذين آمنوا بالفكرة وأخلصوا لها نفس إخلاص الطلبة..!

عاصرت زرع الانتماء والالتزام والعلم داخل كل طالب.. شاهدت كيف يحرص الجميع، بداية من المدير اللواء طبيب خالد شكرى، الذى لا يتوقف عن متابعة كل صغيرة وكبيرة فى هذا الصرح بنفسه.. وحتى المجند الحديث الذى يقوم بعمله بحب وإخلاص يمكن لمسه بسهولة.. الكل يحرص أن يتم كل شىء على أكمل وجه..!

الأمر لا يحمل مبالغة من أى نوع.. فما يحدث داخل جدران ذلك الصرح يحمل الكثير من الأمل.. والأكثر من الفخر والاعتزاز الذى يشعر به كل من يعمل فى القطاع الصحى فى مصر.. بل كل من يطأ بقدمه على أرض هذا الوادى الطيب من الأساس..!

مجموعة منتقاة من أعضاء هيئة التدريس من المدنيين.. وأخرى من العسكريين الحاصلين على ما يؤهلهم للتعليم الطبى.. الكثير من اتفاقيات التعاون مع الجامعات العالمية المختلفة.. والأكثر من المؤتمرات واللقاءات العلمية تتم طوال الوقت لرفع المستوى التعليمى والعلمى للطلبة وأعضاء هيئة التدريس على السواء..

هو مشروع عظيم يُنسب لصاحب الفكرة السيد القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية حين وجه بإنشاء تلك الكلية منذ سنوات مضت.. ويُحسب لمديرى تلك الكلية الذين تعاقبوا عليه والذين لم يألوا جهداً مع فريق العمل الذى قادوه لينفذوا تلك الفكرة على الوجه الأكمل الذى نراه اليوم..

هو مشروع ربما يكون الحل الحقيقى لأزمات الأطباء فى هذا الوطن.. فوجود كتائب من خريجى كلية الطب بالقوات المسلحة سيصبح ضمانة لتوفير عجز الأطباء الذى أصبح حاضراً، خاصة بعد أزمة كوفيد العالمية.. ومنظومة التعليم الطبى والتدريب بها ربما تصبح النموذج الذى يحتذى به.. والذى يمكن تطبيقه فى كل كليات الطب المختلفة.. لقد أنتجت التجربة حتى الآن دفعتين من الطلبة يعملون فى مستشفيات القوات المسلحة المختلفة.. كم أشعر بالسعادة الشديدة حين أقابل أحدهم.. يصلنى بسهولة ذلك الشعور بالامتنان الذى يحمله.. ويصله بكل تأكيد إحساس الفخر أننى كنت وما زلت جزءاً من هذا الكيان الذى أنتج مثلهم..!

ربما حان الوقت لدراسة تلك التجربة وتقييمها من القائمين على التعليم الطبى فى هذا الوادى الطيب.. فتعميم التجربة فى اعتقادى حل متميز لمعظم مشاكل التعليم الطبى -بل والقطاع الطبى كله- فى هذا الوطن.. أو هكذا أعتقد!