كتاب «الصراط المستقيم فيما التبس من المفاهيم»

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

لو كان الأمر بيدى لجعلت هذا الكتاب مقرراً دراسياً فى كل مراحل التعليم، لا سيما التعليم الأزهرى، لأهمية الكتاب فى بيان ما التبس من المفاهيم على البعض، ولدور الكتاب فى بيان خطورة الفكر السلفى الوهابى، واسم الكتاب كاملاً: «الصراط المستقيم فى بيان مذهب المحدثين فيما التبس من المفاهيم»، صادر عن دار الإمام الرازى، ومؤلفه الدكتور «أحمد نبوى الأزهرى» الأستاذ بجامعة الأزهر، والمدرس بالجامع الأزهر، وعميد أكاديمية «إحياء»، والكتاب يبين أقوال كبار علماء الأمة من المحدثين والحُفّاظ فى مسائل التوسل والتبرك وشد الرحال واتخاذ القبور مساجد والعمل بالحديث الضعيف ونحو ذلك.

وهى المسائل التى كثر حولها الشغب، وتصايحت بسببها النابتة والسلفية، وحوّلوا هذه المسائل من الفروع الفقهية التى يقع فيها الخلاف إلى أبواب الاعتقاد، فتم تفسيق المخالف أو تبديعه أو تكفيره أو اتهامه بالشرك.

ابتعد المؤلف عن أساليب التشغيب والعواطف والحماس فى الرد على هذا التيار، واختار الرد العلمى المبين على من تلاعب بالدين، محتكماً إلى أفهام العلماء وأهل الصنعة ممن أجمعوا على رفض منهج التيار السلفى، وبيَّن المؤلف تعديهم على الشرع وعدوانهم على قواعده وأحكامه.

والكتاب ينتصر للأزهر الشريف ومناهجه، وهو ما عبّر عنه الأستاذ الدكتور أسامة الأزهرى فى تقريظه للكتاب ص7، حيث قال: «ثم من فوائد هذا الكتاب أنه يبين المستند والأصل لاختيارات الأزهر الشريف ومعتمداته فى هذه المسائل الفرعية الفقهية، وأن الأزهر الشريف هو المنتمى والمنتسب فى الحقيقة لأهل الحديث، التابع لاختياراتهم واستنباطاتهم وفهمهم المنير لكلام النبوة، مما أسدى به المؤلف -مشكوراً- يداً بيضاء لأزهرنا الشريف، يعضّد به حججه، ويثبت به دلائله».

وفى تقديرنا أن هذا الكتاب يمثل خطوة مهمة لعودة التائهين إلى الصواب، لأن أصحاب هذا التيار نشروا القبح، وأساءوا للأموات والأحياء، وتطاولوا على علماء الأمة بالتبديع والتفسيق، وعملوا على هدم مرجعية الأزهر، وجعلوا فهمهم للنص هو عين النص، ومعنى ذلك أنك حين تقاومهم يعتقدون أنك تقاوم الإسلام نفسه، ثم انطلقوا كالزنابير الهائجة يلسعون الناس باسم السنة وباسم الدليل، وشغلوا المجتمع بحكم الغناء، والموسيقى، وصوت المرأة، والنقاب، وتهنئة غير المسلمين بأعيادهم.

لذلك خلص مؤلف الكتاب إلى أن مواجهة الفكر المتطرف لن تأتى ثمارُها المرجوة إلا حينما يعكف الطلاب على القراءة والتعلم وفق المنهج العلمى الصحيح، بعيداً عن الوقوع فى براثن التيارات والجماعات، والبعد عن الصخب والضجيج الذى تحدثه هذه التيارات، كما نبّه المؤلف كثيراً بأهمية الوعى التام بأن أتباع التيارات السلفية المعاصرة ارتكبوا خطايا عديدة، منها: نشروا عقائد ابن تيمية بين الناس على أنها عقيدة السلف، حاولوا هدم مرجعية الأزهر فى نفوس الناس ليكونوا هم المرجع البديل، ضيّقوا الواسع، فجعلوا كل ما لم يفعله النبى -صلى الله وعليه وسلم- من البدع، أدخلوا الفروع فى الأصول، مما انبنى عليه بروز فكر التكفير، لهجوا بقضية (الدليل)، وتوهّموا أن العلم هو مجرد سرد الآية أو الحديث، وجرّأوا العامة على تخطئة كبار علماء، قطعوا الصلة بين الناس وبين الصالحين، فحرّموا الصلاة فى المساجد الملحقة بها أضرحة، وخوّفوهم بالشرك والتكفير والتبديع، نقلوا البعض من معاصٍ ظاهرة مثل التكاسل فى أداء الصلاة، إلى معاصٍ أكبر كتضليل العلماء الأمة، والاستعلاء بالإيمان، جعلوا الموالاة والمعاداة وفق الإيمان بمذهبهم، أثاروا الفتن بمسائل فرعية خلافية مثل: كيفية إخراج زكاة الفطر، وتقصير الثياب والاحتفال بالمولد النبوى، وتهنئة غير المسلمين بأعيادهم.