الحوار الوطنى.. أبعاد ودلالات
تلقت دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى لإجراء حوار وطنى دعماً وتأييداً وزخماً كبيراً من القوى السياسية والمجتمعية المختلفة، فى الوقت الذى شككت فيه منابر معارضة، على رأسها بطبيعة الحال تنظيم «الإخوان»، وبعض التيارات المناوئة فى الخارج.
من جانبى، أرى أن القائمين على تنفيذ الحوار مطالبون بأخذ كل المواقف المؤيدة والمعارضة فى الاعتبار، وحتى تلك المواقف التى صدرت عن كارهين ومعارضين مقيمين على العداء مع كل ما حققته مصر على مدى السنوات الثمانى الماضية يجب أن تؤخذ على محمل الجد، وأن تجرى مراحل هذا الحوار بالشكل الذى يعكس أمانى مؤيديه ويتفادى حجج معارضيه.
وفى الأسبوع الماضى، حضرت ندوة حوارية على قناة «سى بى إكسترا»، ضمن برنامج «كلام فى السياسة»، الذى يقدمه المذيع والصحفى اللامع أحمد الطاهرى، وهى الندوة التى ضمت الكاتب الصحفى القدير وعضو مجلس الشيوخ ورئيس تحرير «الوطن» ورئيس فضائية «دى إم سى» الدكتور محمود مسلَّم، إلى جانب الكاتب الصحفى المرموق وعضو مجلس الشيوخ ورئيس تحرير «الشروق» الأستاذ عماد الدين حسين، والنائبين فى مجلس النواب الأستاذين سليمان وهدان، وعماد خليل، وعضو مجلس الشيوخ الأستاذ تيسير مطر.
وقد أُعدت تلك الندوة بعناية بحيث عرضت لجميع الآراء التى اكتنفت الدعوة إلى الحوار، كما ناقشت الجوانب الإيجابية لتلك الدعوة، من دون أن تهمل المحاذير والانتقادات التى وجهت لها، فى إطار الحرص على أن يفى الحوار بالأهداف المرجوة منه.
وقد تحدث الصديق العزيز الدكتور محمود مسلّم فى البداية مرسياً مبدأين حيويين اتفق معه جميع الحاضرين على أهميتهما؛ أولهما أن هذا الحوار لا يعنى انقلاباً وهدماً لما تحقق من تقدم وإنجازات على صعيد العمل الوطنى فى فترة صعبة مضت، بل هو مراجعة تستهدف ترسيخ الجوانب الإيجابية وتلافى السلبيات فى طريق تعزيز مسيرة الأداء الوطنى، وثانيهما أن هذا الحوار يخص الدولة وليس النظام، وهو الأمر الذى يجب أن ينعكس فى أطراف الحوار والمحاور التى سيتناولها.
ومما فهمته من الدكتور مسلّم فى هذا الصدد أنه يريد حواراً يعكس رؤى وأفكاراً تخص جموع المصريين، وأن تلك الرؤى إنما تُطرح على الدولة ومن أجل تعزيز مسارها، وأنها لا تعنى أبداً الانتقال إلى شكل أو صيغة جديدة تمثل انقطاعاً عن جميع الجهود التى بُذلت والإنجازات التى تحققت، وإنما تستهدف تعزيز تلك الإنجازات وتقويم ذلك المسار الذى اتفقت عليه الوطنية المصرية على مدى السنوات الثمانى الفائتة.
أما الصديق العزيز الأستاذ عماد الدين حسين فقد رأى أن طرح فكرة الحوار هو دليل على استقرار الدولة وليس العكس، وأنها تستهدف الحصول على أكبر قدر من التوافق الوطنى لمواجهة التحديات التى تفرضها الأوضاع العالمية المتقلبة، وأن النجاح فى إحياء التحالف الوطنى الذى كان موجوداً فى «30 يونيو» سيكون إنجازاً مهماً فى هذا الصدد.
وفى تفصيله لرؤيته تحدث الأستاذ عماد الدين حسين عن ثلاثة أطر مقابل ثلاثة أطر أخرى تطرح تبايناً؛ فهو يرى أن ثمة ضرورة لتعزيز أداء «الإعلام التقليدى» لينهض بدرجة كافية من الاعتماد فى مناقشة هموم المواطنين واستيعاب آرائهم مقابل إطار «السوشيال ميديا» الذى يطرح مخاطر كبيرة بسبب أنماط أدائه التى لا تخضع إلى التقييم وتحفل بتأثير الحشد واللجان الإلكترونية.
كما تحدث عن ضرورة تعزيز إطار العمل الحزبى بما يُمكّنه من معالجة التدافع السياسى وطرح مختلف الرؤى حيال مسارات الأداء الوطنى فى مقابل ترك الساحة السياسية خالية لقوى التطرف والإرهاب.
وفى الإطار الثالث رأى ضرورة لبناء التوافق على الخيارات والسياسات الاقتصادية عوضاً عن الانفراد بمسار واحد، بما يعنيه هذا من فتح المجال أمام أفكار وأساليب عمل تنموية جديدة يطرحها اقتصاديون وخبراء مشاركون فى الحوار حتى لو كانوا من قوى المعارضة والمستقلين.
وفى المقابل، فقد شدد النواب الثلاثة المحترمون الذين شاركوا فى هذه الندوة على ضرورة أن يشهد الحوار انخراطاً حزبياً فعالاً، ورأوا فى هذا الحوار فرصة لإثبات فاعلية الأحزاب وقدرتها على مقابلة تطلعات الجماهير.
وحين سألنى الأستاذ الطاهرى عن دور الإعلام فى مواكبة ذلك الحوار الوطنى المنتظر، أجبت بأن الإعلام نفسه يجب أن يكون أحد محاور هذا الحوار، واقترحت أن تكون المحاور الباقية ثلاثة؛ أولها يتجسد فى الحوار السياسى الذى يخص الأحزاب والقدرة على تنشيط عملها، والحريات المدنية والسياسية، ومدى فاعلية مجلسى البرلمان فى النهوض بدوريهما الدستوريين. وثانيها المجال الاقتصادى وخصوصاً ما يتعلق بتركيز الجهود فى أنشطة التصنيع والتصدير فى مقابل الاستمرار فى تطوير البنية الأساسية والمشروعات العقارية. وثالثها فى مجال الإدارة العامة وخصوصاً ما يتعلق بجوانب الخدمات، مثل التعليم والصحة والإدارة المحلية.
وفيما يتصل بالمجال الإعلامى، فستكون هناك نقاط عديدة للحوار، وسيأتى على رأسها ضرورة أن نضمن للمجال الإعلامى الوطنى درجة من التعدد والتنوع مناسبة، بحيث يكون هذا المجال مصدراً لاعتماد المواطنين فيما يخص قضاياهم وهمومهم، وبما يسحب البساط من تحت أقدام بعض أنماط «الإعلام التقليدى» الوافد الذى يبث رسائل مسمومة ويسعى إلى زعزعة الأوضاع وتشويه الإنجاز الوطنى، ويسحب البساط كذلك من تحت أقدام «السوشيال ميديا» التى باتت أكبر حزب سياسى فى البلاد، وفق تعبير الكاتب الكبير الأستاذ عماد الدين حسين.