«حريق الوطن».. نجوت من القتل على يد الإخوان

حسن معروف

حسن معروف

كاتب صحفي

شريط طويل من الذكريات مر أمام عينى وأنا أشاهد أحداث مسلسل «الاختيار 3 - القرار» منذ التحاقى بجريدة «الوطن» يوم 20 أبريل 2012، ليتوقف عند نقاط مضيئة ونقاط مظلمة، أصابنى اكتئاب يوم نجاح الرئيس الراحل محمد مرسى، فقد خبرت الإخوان عن كثب، بقاء الجماعة ووصولها للحكم أهم لديهم من أرواح الناس والوطن والدين نفسه.

أما النقطة التى توقفت عندها وعاودتنى ذكراها، ليلة حريق جريدة «الوطن» على يد الجماعة الإرهابية، أحسست أننى أشتم رائحة الدخان مجدداً وأسمع صوت طقطقة النيران.

ليلة 8 مارس 2013 تلقينا فى الموقع الإلكترونى نبأ عاجلاً، عن اجتماع ألتراس مع خيرت الشاطر، وزير مالية الجماعة، عشية نظر قضية مذبحة استاد بورسعيد، أبلغنا به الدكتور محمود مسلم، مدير تحرير الجريدة آنذاك.

بمجرد نشر الخبر، وكالعادة، تلقينا تهديدات من أحمد إدريس «كابو ألتراس»، يكذب الخبر -الذى تأكدنا من صحته 100%- ويتوعدنا بـ«العقاب»، على طريقة الإخوان ومن شايعهم؛ نحكمكم أو نقتلكم.

انتهت مناوبتى فى الثانية عشرة ليلاً، لتبدأ مناوبة صديقى محمد أبوضيف، فقررت البقاء معه، وفى الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، سمعنا صرير إطارات فى الشارع -وكنا فى الطابق السابع- فقلت له ساخراً: «وصلوا».

هبطت مجموعة البلطجية، اقتحموا مقر الجريدة، وبدأوا بتحطيم المدخل وكل ما يقابلهم من أثاث وأجهزة حتى الدور الثالث، وقبل هروبهم أضرموا النيران فى الطابق الأرضى، الذى كان يضم صالة الاستقبال والمسجد.

منذ بدء الاعتداء وحتى اشتعال النيران، تحركت و«أبوضيف» بسرعة، وأغلقنا أبواب الدور السابع، وبدأنا تلقائياً نمارس عملنا فى تسجيل وقائع الاعتداء كأى صحفى، «أبوضيف» يلتقط الصور والفيديوهات، وأنا أكتب تفاصيل الاعتداء، تمهيداً لنشر جريمة جديدة موثقة يرتكبها الإخوان لاغتيال الصحافة وصوت الشعب.

قطعت النيران أسلاك الإنترنت، ثم انقطعت الكهرباء، فأسرعنا بغلق النوافذ وتجميع طفايات الحريق، ومع استمرار اشتعال النيران بدأ الدخان يملأ المبنى، حتى السلم الخلفى أصبح خانقاً قاتلاً، وبدأ الدخان يتسرب إلى صالة الدور السابع، إذا فتحت النوافذ ستموت مختنقاً ببطء، وإذا قفزت ستموت حتماً لكن أسرع، وظننا أننا أحيط بنا، فى تلك اللحظات يصبح تفكير الإنسان حقيقياً «الجدع جدع.. والجبان جبان».

جلسنا متجاورين ننتظر مصيرنا أياً كان، لم نعلم بعد أن المجرمين هربوا، فقررنا المقاومة حتى آخر لحظة، مقاومة الحريق، والمجرمين، والدخان، والإخوان إن كتب الله لنا الحياة.

ومن المفارقات الساخرة أن سألنى «أبوضيف»: «ما العمل؟»، قلت: «ننطق الشهادتين ونشاهد فيلماً لجنيفر لوبيز»، لا أنسى نظرته وأنا أبدأ بتشغيل الفيلم، وبدأ لفح النيران يلسع من يقترب من أى نافذة، لكن رياحاً خفيفة هبت فشتتت اللهب، حتى سمعنا جلبة رجال المطافئ حين وصلوا إلى المبنى وبدأوا فى إزالة آثار العدوان.