شهداء مصر وطريق المصريين

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

معركتنا فى مواجهة الإرهاب طويلة. ومن كان يمنِّى نفسه بأنها ستنتهى بجرة عمليات عسكرية، أو بتهدئة سياسية مع أطراف ضالعة «نظمى فهمى رسمى» فى تمويل أو دعم أو مساندة أو مباركة أو فتح الأبواب والنوافذ أمام ممثلى الإرهاب، أو حتى بكمون نسبى وانزواء وقتى لمن شرب ورضع ونما وترعرع على أفكار أمراء التكفير ولو عبر بوابة مستوصف خيرى أو معهد دينى يخدم أبناء المنطقة البسطاء، أو درس بعد الصلاة ينفث سموم الأفكار، فهى أمنية غير قابلة للتحقق، لأنها ببساطة غير واقعية.

الواقع يقول إن الإرهاب حى يُرزق طالما من أفتى بتكفير غير المسلم وقتل الممتنع عن الصلاة وتجريم من يقول «كل سنة وأنت طيب» لجاره غير المسلم يحظى باحترام العلماء وتتداول دروسه وسمومه بتبجيل وتقدير. صحيح أن الإرهاب الذى يستهدف أبناءنا ومنشآتنا وبيوتنا ومشروعاتنا وأحلامنا للمستقبل ليس أيديولوجياً بالضرورة، بمعنى أن مخططيه ومدبريه ليسوا بالضرورة «فقهاء» ضلوا طريق الإيمان وانجرفوا فى هوة التطرف المقيت، لكنهم معجونون سياسة دولية وغارقون فى توازنات عسكرية وأمنية يجرى التخطيط لها على مستويات أبعد من الخيال، لكن يبقى منفذوه -أو على الأقل بعضهم- يعتقد أنه «يقاتل» من أجل الأيديولوجيا. «المصارى» جزء كبير من لوجيستيات الإرهاب وقواعده وما يبقيه حياً يُرزق. لكن الأدوات البشرية التى يتم من خلالها تنفيذ العمليات الجبانة والخسيسة تعتبر أنها تحمل راية فكرة، والفكرة لا تموت إلا بفكرة أقوى منها. عمليات تجنيد الأدوات البشرية المنفذة للخسة والمبلورة للجبن ستتقلص وتنكمش «إلى حد ما» حين تجد أمامها تنويعات عديدة من الأفكار. وأقول وأمرى إلى الله، إن العديد من الأفكار تبدو فى أولها وفى مجملها غارقة فى «الإسلام الوسطى الجميل»، لكنها تبقى مطاطة مرنة تأخذ صاحبها إلى عوالم القتل باسم الدين والتفجير باسم المتدينين والتفخيخ باسم الإسلام. هذه الأفكار تبدأ بالحديث عن «أختى المسلمة» التى أحبها فى الله، وأخى المسلم الذى أود أن أنصحه لوجه الله، وأسرتى المسلمة التى أرغب فى مد يد العون لها حتى تكون نواة المجتمع المسلم القوى المناوئ للمجتمعات غير المسلمة التى تدعى التقدم والقوة. لكن هذه الأفكار لا تنتهى هناك، لكنها تنمو وتزدهر وتنتهى برغبة محمومة فى إحياء دولة خلافة دينية (لم تكن موجودة أصلاً) و«أمة» واحدة لا أوطاناً ذات حدود ما هى إلا حفنة من تراب عفن. أصحاب هذه الأفكار «المرنة» موجودون بيننا وحولنا فى كل مكان: على شاشة التليفزيون، وفى المحمول، وفى المخزون التعليمى والثقافى للكثيرين. إنه تعليم وثقافة خلط التعليم الدينى بالمدنى بالطبى بالهندسى بالترفيه بالفن، وذلك فى إطار من احتكار التفسير وجمود التطوير. ما زال بيننا من يشارك دروس ومقولات سيد قطب «المفوهة» مؤكداً أنها ليست «إخواناً» لكن المضمون هائل. والمضمون لو تدرون لا ينفصل عن قائله. لم تكن مصر يوماً دولة كافرة. ونحن فى عام 2022 لن نبتكر العَجَلة. المستقبل المواكب للعلم والتقدم بيِّن، وكذلك الحاضر الغارق فى التشتت والتكفير والاستعلاء الدينى والتفكير العميق فى أى الرجلين نستخدم فى دخول الحمام بيِّن أيضاً.

رحم الله شهداءنا. وفى مناسبة التجارة بالشهادة، أستعير مقولة صديقتى حنان يحيى: «أكثر الناس انحطاطاً هم من يسألون عن ديانة شخص مات ليقرروا إن كان الترحم عليه يجوز أو لا يجوز». وأضيف أن جدل الشهادة والترحم إن دل على شىء فعلى الطريق الطويل الذى لم يمشِه المصريون بعد.