حين شعر إيلون ماسك بالملل

الصدفة وحدها كانت هى السبب كى أكتشف تلك القصة الطريفة.. ولكننى أعتقد أن ما وراءها من الأهمية يجعلها إحدى القصص الغريبة -والمخيفة- فى الوقت ذاته فى عالم رجال الأعمال والاقتصاد فى هذا العصر.

القصة تتعلق بذلك الشاب المثير للجدل دوماً إيلون ماسك.. المدير التنفيذى لشركة تسلا وشركة سبيس إكس space X.. ففى عالم موازٍ على هذا الكوكب.. وبعيداً عن حرب روسيا وأوكرانيا.. وأزمة كوفيد التى لم تنتهِ بشكل كامل بعد.. وبعد كل المشاريع الغريبة التى تبنّاها وأعلن عنها هذا الشاب على ظهر الأرض وفى الفضاء الخارجى.. وتلك الشرائح الإلكترونية التى ينوى زرعها فى البشر.. وجد نفسه يعانى من بعض الفراغ.. فكتب على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» تغريدة أنه «يشعر بالملل ولا يجد ما يفعله»!

يبدو أنه قرر أن يجرى تعديلاً فى التغريدة بعد كتابتها ليكتشف أن الموقع لا يسمح بذلك.. الأمر الذى أثار غضبه ليسأل على الموقع نفسه فى استنكار «كيف لا توجد وسيلة للتعديل؟».

لقد أثار الأمر غضبه لدرجة أنه أجرى بعدها استفتاءً على صفحته الشخصية -يمتلك إيلون ماسك اثنين وثمانين مليون متابع- يسأل فيه الناس هل يرون مثله أن الموقع الشهير يُقيّد حرية الرأى والتعبير؟!

النتيجة أظهرت أن الأغلبية ترى أنه يقيد تلك الحرية.. ولكن النتيجة الأهم لذلك الاستفتاء كانت أن أسهم الموقع فقدت ١٥٪ من قيمتها بشكل مفاجئ!

لم يفوت الشاب الذكى الفرصة.. وقام بشراء ٩٪ من الأسهم بقيمة ٣ مليارات دولار.. الأمر الذى رفع مرة أخرى قيمة الأسهم.. ومنح إيلون ماسك الحق فى حضور اجتماعات مجلس الإدارة كأحد المساهمين الكبار فى الموقع.

القصة لم تتوقف عند هذا الحد.. فقد قدم إيلون ماسك قائمة بالتعديلات التى يرغب فى إضافتها للموقع فى أول اجتماع لمجلس الإدارة.. الأمر الذى لم يلقَ قبولاً من المجلس وتم رفض التعديلات.. ليُرسل الشاب بعدها عرضاً لشراء الموقع بالكامل.. مع تهديد صريح عبر تغريدة على الموقع نفسه أنه إذا لم تتم الصفقة لصالحه فسيبيع حصته بالكامل مرة واحدة، لتنهار قيمة السهم جراء ذلك البيع بكل تأكيد.. لم يملك مجلس الإدارة إلا أن يرضخ لطلبه.. ويصبح إيلون ماسك مالك موقع «تويتر» بالكامل مقابل ٤٤ مليار دولار!!

القصة كلها ملهمة للغاية.. وتحمل الكثير من الطرافة التى لا تخلو من الرعب.. فأحدهم تمكن من ربح ملايين الدولارات وهو يجلس على أحد مواقع التواصل الاجتماعى لا يجد ما يفعله.. كما أنه نجح فى الضغط على مجلس إدارة الموقع عبر تغريدات عبر الموقع نفسه!!

فى الوقت نفسه فإن السيطرة بهذه الطريقة على إحدى أهم منصات التواصل الاجتماعى فى القرن الحالى بشكل كامل تجعل فكرة حرية الرأى والتعبير عبر تلك المواقع ليست كما تبدو عليه.. فقطعاً سيصبح لمالك الموقع سياسة تخدم مصالحه الاقتصادية.. وربما السياسية فى ما بعد!

الطريف أن تاريخ «ماسك» متخم بالأفكار المجنونة والطرق غير التقليدية للعمل والابتكار، والتى نجح فى تحقيق بعضها بالفعل.. فقد ارتبط اسمه بأول سيارة كهربائية تم تصنيعها بشكل تجارى.. وبعض المشروعات الأخرى مثل واحة المريخ وغيرها.. ليضيف إلى سيرته الذاتية مؤخراً أنه نجح فى إجراء صفقة من أكبر صفقات العقد الحالى «بتغريدة» على موقع تويتر!

سيستمر «ماسك» فى مشروعاته الغريبة وطرقه غير التقليدية للفوز بالصفقات.. ولكن تلك الصفقة تحديداً ربما تصبح السبب الأهم ليدرك الجميع أن العالم الافتراضى الذى أصبحنا نقيم بداخله وقتاً أكبر من عالمنا الحقيقى ليس كما يبدو عليه.. وأن بعضهم ربما ينجح يوماً ما فى السيطرة عليه -وعلينا- بتغريدة تفيد بأنه يشعر بالملل ولا يجد ما يفعله!