«الوطن» و١٠ سنوات فى ظهر الوطن!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

مغامرة كبرى أن تصدر صحيفة فى ظل حالة من الارتباك الكبير فى واحدة من أشد فترات الاضطراب فى مصر.. قُبيل منتصف عام ٢٠١٢ حيث نظام رحل قبل عام وأشهر بعد استقرار فى السلطة استمر لثلاثين عاماً، وقوات مسلحة تولَّت المسئولية باستدعاء شعبى هائل ووفق دورها الوطنى والدستورى فى الحفاظ على البلاد والعباد، وفى ظل تربُّص من قوى شيطانية ترغب فى القفز على كل شىء من سلطة ومؤسسات، لتنهى إلى الأبد أى دور للدستور وللقانون وللإرادة الشعبية، وفى ظل تداخل الخارج مع الداخل وقوى إقليمية ودولية ظنَّت -وبعض الظن إثم- أن ليس لمصر من يحميها، وظنت أيضاً أنه لا مؤسسات وطنية قادرة على القيام بواجباتها فتطلعت إلى العبث بالشأن المصرى.

وفى هذه الأجواء المضطربة، حيث الشارع لا يهدأ، وما أن تتوقف مظاهرة فى ميدان إلا واشتعلت فى ميدان آخر، وما أن تنصرف مظاهرة من شارع حتى تبدأ فى شارع مجاور، وفى ظل رصاص غامض مجهول معروف، وفى ظل فتنة مطلوبة عمداً وقصداً، وفى ظل ضباب يحيط بكل شىء.. نقول فى هذه الظروف والأحوال شديدة الصعوبة تدفع حسابات أى صاحب قرار أو مال أو أى مجموعة ترغب فى استثمار أموالها فى عالم الصحافة والإعلام أن تتوقف، لتفكر ألف مرة وتراجع نفسها ألف مرة، صدرت جريدة «الوطن» لتتخذ سريعاً ومنذ عشر سنوات مكانها ومكانتها بين الصحف المصرية.

انطلقت «الوطن» على أسس علمية.. يؤمن القائمون عليها بأن الصحف فى عالمنا مؤسسات اقتصادية فى الأساس بما يضمن لها سبل الاستقلال والاستمرار، فكان قسم التسويق بكوادر وخبرات مهمة ثم رؤساء للأقسام يمكن الاعتماد عليهم فى الانطلاق بقوة فى ظل منافسة شرسة من صحف أخرى موجودة فى الشارع المصرى تتوفر لها إمكانيات كبيرة، فضلاً عن ميزة الأسبقية ووجود قراء فعليين يشكلون أهم رصيد لأى مطبوعة.. كان مهماً أن يتوفر الانسجام بين هؤلاء المختارين لرئاسة الأقسام، خصوصاً أن هناك رؤية سيكلفون بإنجازها تتسم بالموضوعية بنموذج صياغة واحد.. واختير لإخراج ذلك كله أحد أبرز مخرجى الصحف المصرية ليقدم «ماكيت» متميزاً وجديداً يخطف عين القارئ المصرى ويحوز احترامه، ثم ليعتاد عليه ويتحول تدريجياً لقارئ دائم.

هذه الأقسام ترك لرؤسائها حرية اختيار وتشكيل فريق محرريها، ليتمكن كل رئيس قسم من تقديم كشف حساب عن أداء قسمه، ووفرت إدارة الجريدة الإمكانيات المطلوبة لتقديم أداء مهنى راقٍ.. فكان المقر فى منطقة قريبة من قلب القاهرة تسمح بالتواصل الجيد مع عناصرها ومحرريها ومع القارئ ومع أماكن الطباعة أيضاً، وتوفرت داخل المقر أدوات تنفيذ ماكيتات وطباعة أفلام أو إعداد أسطوانات أو ميكروفيلم الأعداد بالشكل الأمثل، كذلك توفرت أماكن العمل وغرف الاجتماعات ووسائل تواصل الأقسام مع إدارة التحرير واستقبال المصادر على أفضل تصوُّر، ثم كان إلى جوار ذلك كله أرشيف جيد يمكن الاعتماد عليه فى ظل الأرشيفات الرقمية والديجتال، وكذلك فريق رائع لقسم التصوير مع كتيبة من المراسلين بالداخل والخارج، ثم كان استكتاب عدد كبير من أفضل وأكبر كتاب مصر (يمثلون الطيف السياسى المصرى كله).

كان منطقياً عند أول تغيير فى قيادة الجريدة أن يتولى أحد أبنائها ومؤسسيها ومن صنعوا وتعبوا وشاركوا فى ذلك كله مسئوليتها.. ويستمر نجاحها رغم تسارع المعادلة الصعبة فى مصر والعالم كله، من تزايد الاعتماد على الصحافة الإلكترونية، وأيضاً تزايد الاعتماد على كافة وسائل الإعلام الجديد للحصول على الأخبار والمعلومات والتعبير عن الرأى.. ومع ذلك يرتفع عدد متابعى «بوابة الوطن» ويقفز عدة ملايين أخرى، ويضرب رقماً قياسياً ويتسع دوره ليقدم من خلال مواقع إضافية مادة فنية ومنوعة لتتعامل مع نوعية خاصة من الجمهور والقراء يحتاجون لخدمات صحفية خفيفة وترفيهية..

وطوال هذه السنوات كانت «الوطن» واحداً من أهم الحصون المهنية فى مصر، تقبل الاختلاف وتسعى للحقيقة، وتتسع لمختلف الآراء، لا تستنكف الاعتذار عند الضرورة، ولا تخذل قارئها ولا تبخل عليه لا بالمعلومة ولا بمساحة يعبِّر فيها عن نفسه ويخاطب مسئوليه.

وطوال هذه السنوات كانت «الوطن» فى ظهر الوطن.. تكشف مؤامرات أعدائه وتفضح مزاعمهم وأكاذيبهم، وتصحح بالملفات الدورية والمعلومات الصحيحة وبالأرقام الرسمية من المراكز المعتبرة الحقائق للناس بالأسلوب البسيط الذى يصل لعموم الناس.

طوال السنوات السابقة.. فى ظل انطلاق العمل فى كل اتجاه كانت «الوطن» خلف الجيش العظيم، وهناك فى العاصمة الجديدة وفى جميع المدن الجديدة، وفى أماكن الإنتاج فى الروبيكى وفى مدينة الدواء بالخانكة، وفى بتروكيماويات السويس ومسطرد والإسكندرية وأسيوط وفى قها، وفى ٣٠٠ الحربى وترسانة الإسكندرية وسيماف والنصر للسيارات وكيما أسوان.. كانت فى مؤتمرات ومنتديات الشباب وفى شرق العوينات وتوشكى والدلتا الجديدة وسيناء.. كانت مع صوت الدبلوماسية المصرية المعبر بكرامة عن مواقف مصر الحقيقية والكبيرة.

كانت وكانت بما لا يتسع المجال لذكره، ولا نمتلك معه إلا تقديم التهنئة لجميع أبطال هذه الكتيبة الرائعة من أكبرهم إلى أكبرهم، وعلى رأسهم رئيس التحرير المحترم الأخ والصديق الحبيب الكاتب والنائب محمود مسلّم، داعين الله أن نحتفل بذكراها المائة، وهى وهم فى كل تقدم وتألق.