الشرقية: «حنورة»: الطريق للمدرسة «كعابى».. والنجدة بـ«عربية كارو»

الشرقية: «حنورة»: الطريق للمدرسة «كعابى».. والنجدة بـ«عربية كارو»
ما يقرب من 9 سنوات مرت خلالها عزة إبراهيم شوقى بمرحلتين دراسيتين، بدأت بالمرحلة الابتدائية ثم انتقلت للإعدادية التى توشك أن تنتهى منها، وطوال المرحلتين الدراسيتين و«عزة» لا تغير طريقها، ما يقرب من 4 كيلومترات تقطعها «عزة» كل يوم من قرية «حنورة» بمركز أولاد صقر فى محافظة الشرقية، إلى المدرسة الإعدادية، ولأن الأسفلت لا يصل لقرية حنورة فينتهى على مسافة 4 كيلومترات منها، فإن أهالى القرية تعودوا أن يقطعوا كل تلك المسافة للوصول إلى الطريق الأسفلتى، إما بالسير على أقدامهم، وإما بالاستعانة بسيارات الكارو أو نصف النقل التى يملكها بعضهم.
روايات كثيرة يحفظها الأهالى عن ظهر قلب عن حوادث سرقة لبعض من كانوا يسيرون على هذا الطريق ليلاً، وأخرى لسيدات فقدن أجنتهن لأنهن لم يجدن وسيلة مواصلات تنقلهن إلى أقرب مستشفى وقت الولادة، وغيرها من الروايات الواقعية التى باتت نتيجة طبيعية لعدم وجود شريان سليم يربط بين القرية وطريق الأسفلت.
تترسخ تلك الروايات فى عالم أطفال القرية مثل الحواديت المرعبة؛ حيث أصبح جميعهم يخافون قطع الطريق الموصل بين القرية والأسفلت، ليس فقط لبعد المسافة بين القرية وبين مدرسة «إبراهيم حسن» التى يدرسون بها، ولكن لتكرار حوادث السرقة وحالات الإعياء التى يصاب بها بعضهم، خاصة فى فصل الشتاء، التى يتكرر معها تأخر إسعافهم ونقلهم لأقرب مستشفى، فيضطر الطلبة لحمل المرضى منهم والعودة إلى القرية للاستنجاد بالأسر.
تستيقظ «عزة» فى الخامسة صباحاً استعداداً للذهاب إلى مدرستها، تخرج من منزلها وهى تدعو الله أن تجد رفقاء لها فى هذه الرحلة الشاقة، خاصة أن كثيراً من الأطفال يحجمون عن الذهاب تعللاً ببُعد الطريق، وفى بعض الأحيان، التى يصفها الأطفال بأنها «ساعة حظ»، يخرجون على الطريق المؤدى إلى المدرسة ليجدوا سيارة كارو غير محملة فيطلبوا من سائقها أن يأخذهم فى طريقه ليريحهم من عناء الطريق، وما إن يوافق حتى يتسابقوا جميعهم للركوب فرحين بهذا الحدث. [SecondImage]
تقول والدة «عزة»: «من يأمن على أبنائه بالسير على هذا الطريق وحدهم، خاصة أنه لا توجد أى سيارات تمر به؛ لكونه طريقاً رملياً يهلك السيارات تماماً؟ لكننا مضطرون أن نودع أبناءنا كل يوم آملين أن يعودوا لنا سالمين». أما محمود محمد محمود، أحد أهالى القرية، فيقول: «نحاول نحن الكبار أن نتحمل مشقة هذا الطريق، وفى كثير من الأحيان لا نستطيع، فما بالكم بهؤلاء الصغار؟ إنهم يضطرون للاستيقاظ قبل موعد مدرستهم بساعتين حتى يستطيعوا اللحاق باليوم الدراسى، وفى كثير من الأحيان يتأخرون، وبالطبع هذا يؤدى فى النهاية إلى أن الأطفال يعودون من هذا الطريق منهكين وأغلبهم يرسبون فيضطر بعض الأهالى إلى منعهم من استكمال تعليمهم وهم لا ذنب لهم إلا أنهم أبناء قرية محرومة من طريق يصلها بباقى المناطق».
يقاطعه على المهدى -أحد أهالى القرية- قائلاً: «تحدثنا كثيراً وقدمنا شكاوى أكثر، ولكن أحداً لا يسمع صوتنا، وكأننا غير موجودين على الخريطة، نحن لا نطلب الكثير، فقط نريد ألا نشعر بأننا منبوذون أو معزولون عن بقية الدنيا بسبب عدم وجود طريق تسير عليه السيارات مثل أى منطقة أخرى بغض النظر عن فقرها أو غناها».
منال حسن، من أهالى القرية، قاطعت الحديث قائلة: «أنا مريضة بالفشل الكلوى وأضطر إلى الذهاب كل أسبوع لغسل الكلى فى مستشفى الزقازيق، وبتعذب عشان أوصل للطريق بره. سامية محمود، طالبة فى الصف الخامس الابتدائى، وضعت حقيبتها على الأرض بمجرد أن نزلت من فوق الحنطور وهرعت إلى والدها تطلب منه أن يتدخل ليطلب من صاحب «الكارو» أن يقلها هى وزملاءها كل يوم؛ لأنها اليوم لم تشعر بتعب عند وصولها المدرسة.
تقول الطفلة، صاحبة العشرة أعوام: «صحيح الكارو مش نضيف وبيوسخ هدومنا لو قعدنا بس إحنا رجلينا بتتعب أكتر وجزمنا بتتوسخ وهدومنا كمان لما بنمشى فى الطريق اللى كله تراب ده»، ثم نظرت إلى صاحب «الكارو» فى انتظار جملة موافقة منه تثلج صدرها، ولكنه ابتسم لها ولزملائها قائلاً: «والله يا بنتى أنا مش بطلع كل يوم، وبعدين الحصان نفسه بيتعب فى المشوار ده عشان الطريق ترابى وانتو بتبقوا كتير وده حمل تقيل عليه وهو يا دوبك اتعوّد يشيل حبة برسيم ولا شوية خضار»، تبدو الطفلة وكأنها شعرت بخيبة أمل، فتصمت تماماً، وتختبئ فى جلباب أبيها بسرعة معلنة حزنها الشديد.[ThirdImage]
السير إلى المدرسة أصبح أمراً اعتيادياً إلى حد ما عند إبراهيم محمود، ذو الثمانى سنوات، فهو أمر لا مفر منه فى كل الأحوال، لكن أكثر ما يؤرقه هو السير على هذا الطريق فى فصل الشتاء؛ ففى هذه الفترة يتحول الطريق إلى طريق طينى يستحيل معه المضى قدماً ناحية المدرسة ومن يستطيع الإفلات منه فسيصل إلى مدرسته مغطى بالطين ومصاباً بنزلة برد شديدة. ساعات طويلة يقضيها الأطفال فى رحلتهم المدرسية كل يوم، طريق مترب، تضيع تفاصيله وسط الشبورة الصباحية ومخاوف من التعرض للسرقة أو الخطف تنتهى جميعها بمجرد الوصول إلى باب المدرسة، لتعود هذه الهواجس مرة أخرى مع دق جرس المدرسة إعلاناً بانتهاء اليوم الدراسى، هم ينتظرون اليوم الذى يصبح الذهاب والإياب فيه من المدرسة وإليها أمراً عادياً بلا أى مشقة.