في ذكري ميلاد «قطقوطه».. أسرار علاقة الطفلة فيروز بالملك فاروق

07:43 م | الثلاثاء 15 مارس 2022

كان مكرم عبيد رئيس وزراء مصر مشغول بمتابعة نتائج التجربة الأولى لإطلاق أول صاروخ مصري، بينما كان الملك فاروق في مسرح الأوبرج مشغولا بلحظة ميلاد صاروخ فني منقطع النظير، بنوتة شقية عمرها 6 سنوات، ترقص وتغني قائلة: (أنا نفسي.. وبدي، في عريس على قدي، ويكون دليكات _ وسيم ورومانسي_ ومعاه جنيهات، وبيلبس أفندي)، وبعد أن انتهت تلك الفتاة من فقرتها، ذهبت وصافحت الملك، ومنحها ظرفا مغلقا، ولقبا ظل يتصدر أفيشات السينما.. «الطفلة المعجزة».

في 1949 كان رئيس الوزراء مكرم عبيد، مهموما بدراسة نتائج مشروع تطوير أسلحة الجيش المصري، واستدعى خبير الأسلحة الألماني الدكتور «ويليم فوس» رئيس مشروع إنتاج الصواريخ المصرية، ليناقش معه نتائج أول تجربة لإطلاق الصاروخ «ف 8»، وانتهي الاجتماع بقرار تجميد المشروع، وعودة الخبير الألماني وعماله لبلدهم، وفي المقابل كان الملك فاروق مشغولا مسابقة لاكتشاف المواهب الفنية، أسفرت عن ميلاد صاروخ فني يحمل لقب «الطفلة المعجزة».

في 15 مارس عام 1943 ولدت الطفلة «بيروز آرتين كالفايان»، لأسرة أرمينية جاءت إلى القاهرة قادمة من مدينة حلب السورية، وكان والدها عازف كمان في الإذاعة المصرية، ووالدتها تجيد الغناء، لكنها اكتفت بدور ربة منزل ترعي 3 بنات أصبحن صاحبات بصمة مميزة في تاريخ السينما المصرية، خاصة الطفلة الأولى التي كانت تتمتع منذ صغرها بقبول غير عادي، وموهبة فطرية في الغناء والرقص الاستعراضي، وهو ما جعلها نجمة سهراتهم المنزلية، لدرجة جعلت صديق العائلة الموسيقي السوري «إلياس مؤدب» يقرر مشاركتها في مسابقة للمواهب الفنية.

أول ظهور للطفلة المعجزة فيروز على خشبة المسرح

انتهي «إلياس مؤدب» من تأليف وتلحين مونولوج خاص للطفلة الموهوبة، ودربها على أدائه، وذهبا معا إلى ملهى الأوبرج الشهير، لتشارك في مسابقة لاكتشاف المواهب، وكان مسموح لكل متسابق بأن يقدم فقرة لا تزيد عن 5 دقائق، وخلال هذه المدة يقف عامل بالمسرح على مقربة من المتسابق، ويحمل بين يديه عصى طويلة أحد طرفيها على شكل نصف دائرة، وإذا لم يلق المتسابق القبول، يتم سحبه من على المسرح بواسطة العصى.

صعدت الطفلة الموهوبة إلى المسرح، وكانت عيناها معلقتين بالرجل الذي يمسك العصا، لكنها سرعان ما اندمجت مع الموسيقي، وقدمت وصلة رقص استعراضي، أعقبها منولوج «أنا نفسي.. وبدي، في عريس على قدى، ويكون دليكات _ وسيم ورومانسي_ ومعاه جنيهات، وبيلبس أفندي»، وبمجرد انتهائها، انفجر الحاضرون في الضحك والتصفيق، بينما اكتفت هي بتوزيع ابتسامتها على الجميع، ولم تنتبه أن أكثر من صفق لها هو الملك فاروق، الذي أعجب بها، وطلب مصافحتها، وقال لها إن موهبتها تجعل منها طفلة معجزة، وقدم لها ظرفا مغلقا، ثم غادر المكان.

وقفت الطفلة الموهوبة بجوار مكتشفها الأول «إلياس مؤدب»، وفتحت الظرف، فوجدت بداخله 50 جنيها، ولم تكن هذه هي المفاجأة الوحيدة في تلك الليلة، فبعد دقائق وجدت نفسها أمام شاب وسيم عرفت من صديق والدها أنه أنور وجدي النجم السينمائي، وطلب منها مقابلة أهلها، لأنه يرغب في إشراكها بفيلم سينمائي، وبالفعل ألتقى والدها ووقع معه عقد احتكار مقابل ألف جنيه عن كل فيلم ينتجه لابنته، وطلب تغيير حرف واحد من اسمها ليصبح «فيروز».

أول مقابلة بين الطفلة فيروز والموسيقار محمد عبدالوهاب

في صباح اليوم التالي كان أنور وجدي يقف أمام منزل الطفلة الموهوبة، بسيارته البيضاء، وحين أزال غطاء السقف، احتشد الناس حول النجم الشهير، وبعد دقائق اخترقت «فيروز» حشود المعجبين، ودخلت السيارة، وجلست بزهو بجوار النجم السينمائي، ولحق بها والدها الذي جلس في المقعد الخلفي، وانطلق الثلاثة لمقابلة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، الذي كان يفترض أن يشارك في إنتاج أول أفلام الطفلة المعجزة، لكنه لم يتحمس، فقرر أنور وجدي أن يغامر وينتج الفيلم وحده.

فيروز تفوز بلقب الطفلة المعجزة والأمريكية شيرلي تمبل تعلن الاعتزال

في عام 1950 أعلنت شيرلي تمبل صاحبة لقب الطفلة المعجزة في السينما الأمريكية اعتزالها، بعد انحسار نجوميتها وبلوغها عامها الـ 22 ، وشهد نفس العام إعلان ميلاد الطفلة المعجزة في السينما المصرية «فيروز» وتصدر اسمها أفيش فيلم «ياسمين» واعقبه فيلمي «فيروز هانم» و«دهب».

الغريب أن أنور وجدي الذي كان معروفا بحرصه المادي لدرجة جعلت البعض يتهمه بالبخل، كان كريما بدرجة محيرة فيما يخص الطفلة الموهوبة، لم يلتفت لتحذير عبدالوهاب له ونصيحته بعدم المبالغة في حماسة لصاحبة الموهبة الطفولية، بل قرر أن ينتج لها 3 أفلام دفعة واحدة، دون أن ينتظر عرض الفيلم الأول، وكان يرسل إليها سيارته في الصباح لتحضرها من منزل أسرتها، وتقضي يومها ما بين شقته ومكتبه في عمارات الايموبيليا بوسط القاهرة، ثم تعيدها السيارة مرة أخري لمنزلها، وشكل فريق عمل سخره لخدمة موهبتها، وضم كلا من مدرب الرقصات الاستعراضية إيزاك ديكسون، الكاتب أبو السعود الأبياري، والملحن منير مراد، وكان يذهب معها أحيانا لتشتري ملابس من نفس المحل الذي كانت تشتري منه الملكة ناريمان ملابسها، كل ذلك جعل من واقعة انفصالهما فنيا بعد الفيلم الثالث أمر محير، خاصة أن توقيته صادف الإطاحة بالملك فاروق من الحكم.

انفصال فيروز وأنور وجدي

انتهت العلاقة الفنية بين فيروز وأنور وجدي بعد فيلم «دهب» 1953، وقرر وقتها والد الطفلة المعجزة أن يصبح هو منتج أفلامها، وقدمت معه فيلم «الحرمان» وظهرت بجوارها شقيقتها «نيللي» التي أصبحت نجمة الفوازير فيما بعد، وقدمت بعده «العصافير الثلاثة» 1955، وظهرت فيه بصحبة شقيقتيها «نيللي وميرفت»، وتوقفت بعدها لثلاث أعوم، ثم تلقت عرضا للعمل مع إسماعيل ياسين، وشاركت معه في فيلمي «إسماعيل ياسين للبيع» و«إسماعيل ياسين طرزان» في عام 1958، وبعدها بعام كان ظهورها الأخير في فيلم «بفكر في اللي ناسيني» مع هند رستم، ثم أعلنت الاعتزال وكان عمرها 16 سنة.

تزوجت فيروز من الممثل بدر الدين جمجوم، واستمر زواجهما 30 عاما، قبل أن يفارق الدنيا ويتركها بصحبة نجليهما «أيمن وإيمان»، إلى أن لحقت به في 30 يناير عام 2016.