الحرب الروسية الأوكرانية.. الزمان يعيد نفسه

مذهب «بوتين» لا يقل حمقاً عن مذهب المحافظين الجدد، وتصرفات بوش الابن، فلسفة صراع الحضارات ونهاية العالم، كلهم مجانين. كان يمكن لروسيا وأوكرانيا التوفيق بين الأمن القومى الروسى والسيادة الوطنية الأوكرانية، لو كان هناك عقل لدى الطرفين.

الغزو الروسى لأوكرانيا سيضعف روسيا اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وسيتكرر مع بوتين ما تكرر مع السوفيت وهتلر من قبل. السلام يولد الاعتدال والحب والتعايش، والحرب تولد الكراهية والأحقاد وتجدد الدماء، السلام يولد السلام، والحرب تولد الدماء. كل الحروب والصراعات تؤدى إلى تطرف ما، فهزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى ولّدت هتلر والنازية، وغزو أفغانستان من قبل السوفيت ولّد القاعدة وأخواتها، وغزو العراق ولّد القاعدة وداعش أولاد الزرقاوى، وتحطيم سوريا والصراع السنى الشيعى بداخلها ولد القاعدة وداعش و45 ميليشيا شيعية مسلحة يقاتل بعضها بعضاً.

أمريكا غزت العراق بكذبة كبرى لم تتُب منها حتى اليوم، ولم يقف أمامها أحد من الدول، وأفضلهم صمت خوفاً من أمريكا وحلفائها، واليوم جيشت أمريكا وأوروبا العالم كله لإدانة الغزو الروسى لأوكرانيا، وإدانتها صحيحة، ولكن الكيل بمكيالين من طباع أمريكا وأوروبا. العقل العربى مأزوم فقد أيّد من قبل صدام فى غزوه للكويت نكاية فى الخليج، ويؤيد اليوم روسيا بوتين كراهية فى أمريكا، الاحتلال هو الاحتلال. غزا هتلر نصف أوروبا وسيطر على فرنسا وأقام حكومة عميلة له، فخسر وضاع وأضاع معه ألمانيا، فقُسمت واحتلت وكُبلت سنوات طويلة، وغزا صدام الكويت فأضاع جيشه والعراق وكل شىء، وغزا الاتحاد السوفيتى أفغانستان وأقام حكومات شيوعية عميلة فى بلد مسلم متدين لا يقبل الإلحاد والشيوعية، وكانت هذه بداية النهاية للاتحاد السوفيتى، وغزت أمريكا أفغانستان والعراق فى عهد المجنون الأمريكى بوش الابن الذى لم يكن مؤهلاً لا للحكم ولا للتصدى لهذه الأزمات، فانهار الاقتصاد الأمريكى وضعفت أمريكا واضطرت لخروج مُخزٍ من أفغانستان وتركت العراق وسلمته غنيمة باردة لإيران.

كان الرئيس الأوكرانى يكرر قبل الغزو «أنا رئيس أوكرانيا وأنا موجود هنا وأعرف تفاصيل ما يجرى أكثر من أى رئيس آخر وأقول للجميع: لا غزو، وعلى الجميع عدم إثارة الذعر بشأن الغزو الروسى لأن ذلك يؤثر على اقتصادنا»، وذلك رداً على كل التقارير الإعلامية والإخبارية الغربية التى كانت ترصد حشد القوات الروسية على حدود أوكرانيا حتى وصلت إلى 100 ألف جندى روسى، وكانت هذه التقارير الاستراتيجية والعسكرية الغريبة تؤكد حدوث الغزو بل وتشرح خطته وتوضح أيضاً العقوبات المتوقعة على روسيا حينها، وكل الذى ذكرته هذه التقارير «حدث بالمسطرة»، كما يقول المصريون. وهذا يذكرنا بصدام حسين الذى قال له كل الرؤساء ووجّه له الرئيس مبارك 25 تحذيراً علنياً، فضلاً عن التحذيرات السرية، بأن ينسحب من الكويت وأن عاصفة غربية مدمرة سوف تجتاحه وجيشه ليس فى الكويت ولكن من العراق، ولكن الرجل أصمّ أذنيه وخدع الرئيس مبارك والملك فهد، وكلاهما أعطى له حلولاً ممتازة قبل الغزو، فظنّ صدام فيهما الضعف لأنه كان ديكتاتوراً غبياً، وظن أن الملك فهد ضعيف لن يجرؤ على استدعاء الأمريكان وحلف الناتو، ولكن الملك أخذ القرار سريعاً ودمّر جيش العراق الذى كان حصناً للعروبة ودُمِّر العراق واحتُل زمناً من أمريكا وحلفائها ومحتل الآن من إيران ورجالاتها، وانتهى العراق العربى إلى غير رجعة. ولعل الرئيس الأوكرانى يشبه صدام فكلاهما غير متخصص لا فى الحرب أو السياسة، فرجال العسكرية أكثر الناس حذراً من الحروب لأنهم يعرفون ويلاتها وآلامها وجراحاتها، والرئيس الأوكرانى لم يكن مؤهلاً للحكم أصلاً رغم أنه جاء عبر صناديق الانتخاب، وكذلك صدام حسين جاء عبر الديكتاتورية ولكنه أهمل كل آراء خبرائه العسكريين وكلهم رفضوا غزوه للكويت فأطاح بهم مع وزير دفاعه وشقيق زوجته بتفجير طائرته فدقّ أول مسمار فى نعشه.

تستورد مصر قرابة 6 ملايين طن قمح كل عام بتكلفة توازى 2.4 مليار دولار وكان اعتماد مصر على القمح الروسى بنسبة 69.4% يليه الأوكرانى بنسبة 10.7% ثم الرومانى والأسترالى والفرنسى والليتوانى وغيرها، والخلاصة أن 80% من القمح المصرى المستورد من الخارج يأتى من روسيا وأوكرانيا على التوالى. أما القمح المصرى الذى ارتفع إنتاجه السنوات الماضية فيقدر حجمه بـ3.6 مليون سنة 2021، وذلك بحسب الإحصائيات الرسمية المصرية، وبذلك يكون حجم القمح المستورد من الخارج يقارب ضِعف المحلى، ومن المتوقع أن تلقى الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على استيراد مصر من القمح الروسى والأوكرانى، وهذا يحتم علينا زيادة الاعتماد على القمح المصرى لسد هذه الفجوة الكبيرة فليس أمام مصر خيارات سوى سد هذه الثغرة الكبيرة، لتعود مصر إلى سابق عهدها فى إنتاج القمح أيام سيدنا يوسف عليه السلام، وأيام الإمبراطورية الرومانية حيث كانت مصر هى سلة غذاء هذه الإمبراطورية، وهى التى ساعدت الخلافة الإسلامية أيام المجاعة التى حدثت فى عهد الخليفة العادل الفاروق عمر، حيث سخر عمرو بن العاص إمكانيات مصر الزراعية الهائلة لإنقاذ الخلافة من المجاعة.