شطرنج روسيا وألعاب الكوكب
نصيحة خالصة لوجه الله لكل من أعياه هبد الترند ورزع تكفير هذا والدعوة إلى التوقف عن التفكير فى ذاك، ولكل من ضربه الإحباط والحزن واليأس مما ينتقيه البعض فى منظومة الإعلام التقليدى من مادة تهييجية لا تُسمن أو تغنى من جوع، ولكل من يتابع المؤثرين والمؤثرات (إنفلونسيرز) وهو لا يصدق أن هؤلاء يؤثرون فى ملايين البشر بما يطرحونه من محتوى ليته كان والعدم سواء، نصيحة خالصة: تابعوا وتمتعوا بالمتابعات الإعلامية الغربية والروسية وبقية معسكرات الكوكب المؤيدة لهؤلاء والمعضدة لأولئك والتى تقف بين بينين حتى تتضح الرؤية فتتخذ موقعها من العركة.
عركة روسيا/ أوكرانيا/ الغرب عركة كلها متعة. بالطبع المتعة المقصودة ليست فى دك مبانٍ هنا أو إصابة أو مقتل مدنيين أو عسكريين هناك، لكنها متعة لأنها حسابات سياسية ومعادلات اقتصادية وهيمنات سلطة ومال واستعراض عضلات بعضها ناجمة عن ساعات طويلة فى «الجيم» السياسى والبعض الآخر نتاج عقود وقرون ممتدة من القوة والسيطرة.
ونجاح روسيا فى السيطرة على أوكرانيا وإخضاعها، سواء بقوة الحرب العسكرية أو بـ«خدش كبريائها» وإبقائها كالبيت الوقف، فلا هى حرة مستقلة ولا هى محتلة تابعة، من شأنه أن يؤثر على دول الكوكب دون استثناء. جانبنا من الكوكب معنى كغيره بما يجرى فى روسيا وأوكرانيا. بمعنى آخر: بُعدنا الجغرافى عنهما لا يعنى أن الأمر لا يعنينا، أو أن علينا أن نكتفى بتكفير بعضنا البعض والبحث فى ملف هل التفكير حرام أم حلال. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن نسبة كبرى من واردات أوروبا من مصادر الطاقة تأتى من روسيا وليس من الدول العربية المنتجة لها. فمثلاً، 41% من الغاز الطبيعى الذى تستورده أوروبا يأتى من روسيا فى مقابل 5٫2 فى المائة من قطر. ونحو 27% من نفطها الخام من روسيا فى مقابل 9% من العراق و7% من السعودية. ويخطئ من يظن أن الدول العربية المصدّرة للطاقة قادرة على سد الفجوة التى سيُحدثها توقف الصادرات الروسية بفعل قرارات العقوبات المفروضة عليها غربياً. قد يتم سد جزء من الاحتياجات بشكل آنى وطارئ، وقد يُحسّن هذا من علاقات ضربها البرود أو التشكك بين دول عربية وأخرى أوروبية، لكن على المديين المتوسط والطويل يبدو الأمر صعباً. أما ملف القمح، فحكايته حكاية، فعدد كبير من الدول العربية، بينها مصر واليمن وليبيا وعمان والأردن، تعتمد فى احتياجاتها من القمح، أى رغيف العيش، على كل روسيا وأوكرانيا. فهل يعنى هذا تحول هذه الدول صوب القمح الأمريكى أو الكندى؟!
وبالطبع هناك الجانب السياسى والدبلوماسى، فمن يدعم هذا المعسكر فإن المعسكر الآخر لن يغفر له.. وهلم جرا، حيث أسلحة التأديب عبر قطع معونة هنا أو أدوات الانتقام من خلال دعم الغريم والقسوة على الحبيب.
أحباء روسيا من جهة والمعسكر الغربى من جهة ليسوا أمراً هيناً. خذ عندك مثلاً الصين التى يشكل الوضع المتفجر الراهن أزمة لها. فمن جهة، الرئيس الأمريكى بايدن مشغول عنها مؤقتاً بالعركة فى أوكرانيا ولن يتمكن من إظهار العين الحمراء لها هذه الأيام، ومن جهة أخرى الصين التزمت قبل أيام مع الرئيس الروسى بوتين بـ«تعاون بلا مجالات محظورة» أى تعاون مفتوح على البحرى.
رقعة الشطرنج عامرة وموقع قطعها فى أوج اللعبة. وغاية القول، لمن يريد الاستمتاع بمتابعة ألعاب فكرية غير تكفيرية مؤقتاً، عليه بمتابعة الجولة الحالية من مباراة روسيا وشركاها فى مقابل الغرب وأتباعه.